أفشل الأفكار (أن يُقاس الانسان بما يملك من مال وتفاصيل تكميلية) الفكرة المتناقلة في دقائق المسلسلات والانتاجات الفنية المعنية بقولبة حياة الناس ووضعها خلف الشاشات لعدة أغراض من أهمها نقل جزء من الواقع بمأساويته والسطحية التي فيه سعياً لجعل النزعة الإنسانية أمام مرآة عقل الإنسان نفسه، خاصةً كون الماديات وكمية الاستهلاك وتصوير أكياس المشتريات وتناقلها عبر مواقع التواصل أصبح أحد وسائل الاندماج مع المجتمع المادي والطبقة البرجوازية تحديداً مع أنها في الأخير ليست لها صلة بالحاجات الفسيولوجية، ومن ثم فهي غير محدودة، فالنزوع للاستهلاك هـو نـزوع لابتلاع العالم بأسره والإنسان الاستهلاكي هو الرضيع الأبدي الذي لا يكف عن الصياح في طلب زجاجة الرضاعة.
كما تشير العديد من دراسات علم النفس الحديث أن التسوق يقلل من الاكتئآب إلى حد معين، فالاستهلاك عملية تخفف القلق لأن ما يمتلكه الإنسان خلالها لا يمكن انتزاعه، ولكن العملية تدفع الإنسان إلى مزيد من الاستهلاك، لأن كل استهلاك سابق سرعان ما يفقد تأثيره الإشباعي وهكذا فإن هوية المستهلك المعاصر تتلخص في الصيغة الآتية:
أنا موجود بقدر ما أملك وما أستهلك وهنا تبدأ صراعات امتلاك الماركات العالمية الأكثر غلاءً ابتداءً من منتجات الأجهزة الالكترونية والسيارات الفارهة امتداداً للحقائب وأغلفة الجسد الهزيل وصولاً إلى المطاعم والحلويات ولكي يُظهر الشخص مدى تفاهة الرفاهية هذه يقوم بنشرها تباعاً على مواقع التواصل الاجتماعية كونها الواجهة الرئيسة للإنسان في القرن الواحد والعشرين فأصبحت هذه التفاصيل مقياساً للفرد في ظل انتشار سيكولوجية الاستهلاك التفاخري الذي كانت نِتاجاً للعالم الصناعي الحديث كما وأصبح أحد العوامل المهددة للعلاقات الاجتماعية لأنها خلقت مستويات طبقية في المجتمع وبين العوائل نفسها.
إن شريحة كبيرة في مجتمعنا الاستهلاكي لا تتابع بدقة واهتمام وموضوعية مجريات الأحوال السوقية داخل وخارج بلادنا ثم إن كثيراً من المستهلكين تستهويهم وتثير أحاسيسهم الاستهلاكية عقدة الندرة، فكل شيء نادر، يتسابق الناس لاختطافه من الأسواق بأي ثمن كي يتميز عن غيرهُ وتمنحهُ بذلك فرصة التباهي بما يملكهُ دون غيره وهنا تجتمع المفارقات المجتمعية بين طبقات المواطنين.
وهنا تنطبق العبارة الأثيرة في ذهني (فقراء جداً لا يملكون سوى المال) ظناً منهم أن المال سيشتري لهم العقل، العلمية، السعادة، العائلة وغيرها من الأمور التي لن تُقدر بالمال خاصة المشاعر التي لا يمكن وضع المال مقياساً لها والخبرة المهنية كذلك فلا يوجد عقل بالمجان كما لن يوجد عقل للبيع، ويمكنك شراء أدوية والسفر للعلاج بأرقى الأماكن لكنك حتماً لن تشتري العافية، يمكنك الحصول على شهادات بأي تخصص بأسعار زهيدة لكن لن تشتري عقلاً وعلمية وخبرة.
فإن قلة وعي المجتمع بهذه التفاصيل هو أحد أسباب هلاك العلاقات الاجتماعية وانفلات الرصانة العلمية وأسباب لهلاك واندثار كثير من الأمور التي لن تُحصى، المال عجلة للحياة لكنها حتماً ليست هواء هذه العجلة.
اضافةتعليق
التعليقات