هل كانت السيدة زينب (عليها السلام) امرأةً عاديةً، أم صنعها "إعلام معركة الطف"؟ الحقيقة تُجيب بأن الفرضيتين مجانبتان للصواب. لقد حملت سيدتنا منذ نشأتها جوهرًا استثنائيًا تجلّى في محنة كربلاء، فحوّلت المأساة إلى رسالةٍ خالدة.
ففي بيت النبوة والإمامة، حيث تربّت في كنف أمير المؤمنين (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، نبتت زينب كشجرةٍ عريقةٍ من العلم والإيمان. عُرفت بـ"العقيلة" و"عالمة غير مُعلَّمة"، وخطبت في دفاعها عن فدك ببلاغةٍ هزّت أركان الظلم. صبرها على استشهاد أمها ومظلومية أبيها صقل إرادتها الفولاذية. فكيف تكون امرأةً عاديةً وهي سليلةُ الوحي وحفيدةُ رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
ولكنّ معركة الطف كانت المحكَّ الأكبرالذي أظهر عظمة هذا الجوهر للناس أجمعين. لم يُصنع دورها - كما يُزعم - بل انبثق تلقائيًا من مسؤوليتها كابنةِ عليٍّ وأختِ الحسين.
بعد استشهاد أخيها، تحوّلت من شاهدةٍ على المأساة إلى قائدةٍ للركب الأسير وحافظةٍ لرسالة الثورة. خطبها في الكوفة أمام ابن زياد، وفي الشام أمام يزيد، لم تكن "إعلامًا مُفتعلًا"، بل كانت صوت الحقيقة الذي فضح الطغاة بمنطقٍ ناريٍّ وبلاغةٍ تهزُّ الجبال. نقلت تفاصيل الواقعة بدقةٍ، وحوّلت مجلسَ يزيد إلى محكمةٍ له، فأنقذت قضيةَ الحسين (عليه السلام) من التشويه والنسيان.
فالحدث الفذّ لم يخلق شخصية زينب، بل كشف عن عظمتها الكامنة. وعبقريتها لم تُختزل في "إعلام كربلاء"، بل تواصلت بعد الطف؛ ففي المدينة ومصر كانت منارةً للعلم والتقوى. هي النموذج الأبدي للمرأة القوية: العالمة الصابرة، الثائرة بالحق، التي لا تخاف في الله لومة لائم. شهادات التاريخ - شيعيًا وسنيًا - تؤكد أنها كانت استثناءً في كل زمان، لكنّ كربلاء جعلت العالمَ يشهد ذلك الاستثناء.
لقد أثبتت زينب (عليها السلام) أن العظمة تُولد مع الإنسان، والمحنُ لا تصنع الأبطال بل تظهرهم.
السيدة زينب (عليها السلام) لم تكن عاديةً قبل الطف، ولم تكن منتجًا لـ"إعلام المعركة". كانت جوهرًا إلهيًا استثنائيًا، ووفرت كربلاء المنصةَ التاريخية التي أظهرت للعالم كيف تُحوّل المرأةُ المؤمنةُ المأساةَ إلى مشروعِ خلود.
اضافةتعليق
التعليقات