ليست الخدمةُ الحسينيةُ مجرّدَ “عملٍ تطوّعيّ” يُسجَّل في الدفاتر، وليست “مهمّةً” تُنجَز وتنتهي… بل هي تكليفُ حُبّ، يُساق به العاشقون إلى ساحةٍ لا تُشبِه إلا كربلاء…
فيها الحبرُ حسرة، والماءُ دمعة، والطعامُ بيعة، والخطوةُ طريقُ نجاة. الخدمةُ عند بابِ الحسين تختلف… تُبدّلُ الروح، تُنقّي القلب، وتحوّلُ الإنسان إلى جزءٍ حيّ من عاشوراء، لا مُتفرّجًا عليها.
فلسفةُ الخدمة… أن تكونَ في صفّ زينب دون سؤال
في كربلاء، لم تكن زينبُ (عليها السلام) بحاجةٍ إلى من يخدمها، لكنّ التاريخَ أراد أن نكون نحنُ خُدّامًا لما بقي من تلك الثورة.
الخدمةُ الحسينية ليست جزاءً… بل انتماء. أنت لا تخدمُ الحسين لأنه بحاجة، بل لأنك أنتَ بحاجةٌ لأن تخدمه.
فكلُّ من ارتدى السوادَ ووقف على ممرِّ الزائرين، وكلُّ من غسل قدميه بطينِ كربلاء وهو يوزّع الشاي، وكلُّ من خفّف عن زائر، أو مسحَ عرقًا، أو فتحَ دربًا…
فقد انضمّ إلى ساحةِ القتال، لكن بلغةٍ مختلفة.
مَن هو الخادمُ الحقيقي؟
الخادمُ الحسيني لا يُعرَفُ بمِهنته، ولا بعُمره، ولا بمكانته… بل يُعرَفُ بنيّته. قد يكون خادمًا يحملُ على رأسه تاجَ الهيبة، لكنه يكنسُ العتبة بصمتٍ وخشوع،
وقد يكون طفلًا صغيرًا يملأ كوبَ ماءٍ للزائر، لكنّ الملائكةَ تكتبُ اسمه مع الأنصار.
الخادمُ الحقيقي هو مَن يخدمُ وفي قلبه حرارةُ المصاب، من لا يبحث عن صورةٍ، ولا عن مدح، بل فقط يقول:
“يا حسين، لو كنتُ معك، لفعلتُ أكثر من هذا…”
تراتيلُ في مواكبِ العشق
ما أجمل أن ترى الشوارعَ تمتلئ بالخَدَمة… وجوهٌ سمراء من الشمس والتعب، لكن قلوبٌ بيضاء من الإخلاص. النساءُ يطبخن كأنهن يُطهّرن الأرواح، والرجالُ يقطعون المسافاتِ لا تعبًا، بل شوقًا، والأطفالُ يمدّون يدَ العون، وكأنهم يكتبون أوّلَ حروفِ الولاء.
هذا المشهدُ ليس عاديًّا… إنّه مشهدٌ عَرَفيّ من نوعٍ آخر، كلُّ خطوةٍ فيه عبادة، وكلُّ قطرةِ عرقٍ فيه شهادةُ انتماء.
الخدمةُ… لغةٌ تُكتَبُ بالدموع
هل رأيتَ خادمًا يبكي وهو يوزّع الطعام؟ أو امرأةً تخبز وتهمس: “يا زهراء، هذا القربانُ لكِ”؟ هل شعرتَ يومًا أنّ هناك يدًا خفيّة تدفعك لتخدمَ أكثر، وتتعبَ أكثر، لكن دون أن تشتكي؟
تلك ليست يدك… بل هو نداءُ كربلاء يجري في العروق. الخدمةُ الحسينية هي دعاءٌ غيرُ منطوق، هي زيارةٌ بلا كلمات، هي عزاءٌ بحركة، ووفاءٌ بعمل.
أثرُها في الدنيا والآخرة
من خدمَ الحسين، خدمته الملائكة. ومن سقى زائرًا، سقاه الله من الكوثر. ومن رفع راية، ثبّت الله له رايةً في الجنة.
الخدمةُ ليست لليوم فقط، بل تُكتَبُ لك في كلّ زمان، حتى إذا جفّ جسدُك من التعب، كانت خطواتُك شاهدةً عليك يومَ لا ينفع فيه إلا الحبُّ الصادق.
رأيتُ أن الخدمةَ ليست مهنة… بل ولادةٌ ثانية. كلّ مرّةٍ أمسحُ فيها يدَ زائر، أشعر أنّني أمسحُ وجهي على بابِ الحسين. وكلّ مرّةٍ أُجهّز طعامًا،
أشعر أنّ زينب تشهدني من بعيد. وكلّ مرّةٍ أتعب، أقول لنفسي:
"هل هذا يُساوي ذرّةً ممّا تعبوه هم؟"
الخدمةُ الحسينية ليست تشريفًا، بل مسؤوليةٌ، وأمانة، وحُلمٌ أن نكون… "جنودًا مجهولين" في جيشِ كربلاء المتجدّد، حتّى يُرفَعَ النداءُ الأخير: "يا لثاراتِ الحسين"..
اضافةتعليق
التعليقات