تترك انفعالاتنا ومشاعرنا آثارا سلبية غير متوقعة على الطريقة التي نتفاعل بها مع آلام الآخرين، كما تقول الصحفية في بي بي سي ميليسا هوغينبوم.
وقد تبين أن حالتنا النفسية لها تأثير على مدى تعاطفنا مع الآخرين. فإن انفعالاتنا ومشاعرنا تغير الطريقة التي يتفاعل بها الدماغ مع الآخرين، حتى عندما نراهم يتألمون. وقد يكون للحزن الذي ينتابنا تبعات على المجتمع المحيط بنا أيضا.
ومن الواضح أن حالتنا المزاجية قد تؤثر على سلوكياتنا بطرق لا تحصى، بداية من اختيارنا لأطعمة معينة- إذ نُقبل مثلا على الأنواع غير الصحية من الطعام عندما نشعر بالحزن- إلى طريقة تعاملنا مع أصدقائنا.
فإذا كان أحد أصدقائنا مهموما ويائسا قد ينتقل هذا الشعور إلينا، ومن ثم قد يستبد بنا أيضا الهم والحزن.
وتوصلت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2017 إلى أن الحالة المزاجية السيئة تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
فإن انفعالاتنا ومشاعرنا، في حقيقة الأمر، لها تأثير بالغ علينا، إلى درجة أن الشعور بالسعادة والرضا قد يخفف من الإحساس بالألم عندما نُصاب بجروح، إذ أن تأثيرها قد يضاهي تأثير مسكنات الألم.
وفي المقابل إذا تملكتنا المشاعر السلبية يزيد الشعور بالألم من نفس الإصابة.
والأسوأ من ذلك، أوضحت دراسة نشرت في ديسمبر/ كانون أول عام 2017، أن الشعور بالحزن والاكتئاب يؤثر على قدرتنا على التفاعل مع آلام الآخرين. فالحزن يقلل من التعاطف مع الآخرين.
وكانت إيملي كياو تاسيريت، من جامعة جنيف، وفريقها يهدفون من وراء هذه الدراسة إلى فهم الكيفية التي تؤثر بها مشاعرنا وانفعالاتنا على طريقة تفاعلنا مع معاناة الآخرين.
ووضع الفريق في ساق المشاركين في الدراسة جهازا تزيد درجة حرارته تدريجيا حتى يشعروا بالألم.
وعرض الفريق أيضا على المشاركين مقاطع فيديو إيجابية وأخرى سلبية، وفحص أدمغتهم بأجهزة مسح خاصة، ثم جعلوهم يتعرضون للألم بذلك الجهاز الحراري، وعرضوا عليهم صورا لأشخاص يتألمون.
وتساءل الفريق هل سيتعاطف المشاركون مع الأشخاص الذين تسبب آخرون في إيلامهم؟
وتبين أن المناطق المرتبطة بالألم البدني من الدماغ، أي القشرة الانعزالية الأمامية والقشرة الحزامية الوسطى في الدماغ، كانت أقل نشاطا لدى المشاركين الذين شاهدوا مقاطع فيديو سلبية قبل أن يروا أشخاصا آخرين يتألمون.
وهذه المناطق من الدماغ تنشط عادة عندما نرى الآخرين يتألمون أو عندما نتألم نحن. وتقول كياو تاسيريت: "هذا يعني أن المشاعر السلبية تمنع الدماغ من الإحساس بآلام الآخرين".
وكشف هذا البحث أن العواطف والمشاعر قد تغير "نشاط الدوائر العصبية في الدماغ"، ومن ثم، فإن مشاعرنا الداخلية تؤثر على نظرتنا للآخرين.
وحول نفس الموضوع، أجرت كياو تاسيريت وزملاؤها دراسة أخرى، وتوصلوا إلى أن مشاهدة مقاطع الفيديو السلبية قد تجعل الناس يميلون إلى تفسير المشاعر المحايدة التي ترتسم على وجوه الآخرين على أنها مشاعر سلبية.
ولا شك أن هذه النتائج لها تبعات على الحياة اليومية. فلنفترض أن الشخص الذي يتولى زمام الأمر، وليكن رئيس العمل، قد تعرض لشيء سلبي في حياته، حتى لو كان مجرد مشاهدة فيلم حزين، فإنه سيصبح أقل تعاطفا مع هموم وآلام زميله في العمل، وقد يصل به الأمر إلى أن ينظر إليه نظرة سلبية.
إذن، لماذا تحدّ المشاعر السلبية من مشاركة الآخرين وجدانيا؟ ربما يرجع السبب إلى نوع من التعاطف يُسمى التعاطف المفرط مع الآخرين.
وتقول عنه أولغا كليمكي، من جامعة جنيف، إنه "شعور المرء بأنه عاجز عن تحمل" المشاعر السلبية التي قد تنتابه إذا أصاب الآخرين مكروه، وهذا يجعلك تحاول في المقابل عدم الاستسلام لهذه المشاعر.
تقول كياو تاسيريت: "إن مرضى القلق والاكتئاب الذين استبدت بهم المشاعر السلبية يميلون أكثر من غيرهم إلى التركيز على مشكلاتهم الخاصة، والانعزال عن الأخرين".
وقد كشفت كليمكي في أبحاثها الموسعة عن المشاركة الوجدانية أنه من الممكن التشجيع على انتهاج السلوكيات الرحيمة. وتوصلت إلى أن مشاعر الشفقة والرحمة قد تُنمى بالتدريب. وهذا يعني أن انفعالاتنا العاطفية تجاه الآخرين يمكن أن تتغير مع مرور الوقت.
ولهذا عندما تجد نفسك مغموما، فكر فيما سيتركه ذلك من أثر على الناس الذين تتعامل معهم يوميا.
وربما يجدر بك أن تختار الوقت المناسب لقراءة الروايات المأساوية أو مشاهدة أفلام الرعب. فإذا قرأتها أو شاهدتها وأنت في حالة مزاجية سيئة لن تتعاطف مع أبطالها، وستصبح أقل تأثرا بآلام الآخرين، سواء كانت حقيقية أو خيالية. حسبbbc
دراسة تؤكد حكمة "رأيان أفضل من رأي واحد"
وفي سياق متصل، وجدت دراسة جديدة أن قيام اثنين من الرؤساء باتخاذ القرارات أو حل المشاكل والألغاز قد يكون أفضل من القرار الفردي.
وأوضح الباحثون أن مجموعة من 5 أشخاص، أكثر قدرة على إيجاد أجوبة أو حلول للمشاكل، مقارنة بالفرد.
وتم اختبار النظرية من خلال طرح أسئلة، مثل ارتفاع برج إيفل وعدد الأباطرة في الإمبراطورية الرومانية. وكانت أخطاء المجموعات أقل بنسبة 50% تقريبا، مقارنة بقيام شخص واحد بالإجابة.
واقترح بعض الخبراء أنه من الأفضل عدم التشاور مع الآخرين، خوفا من "تقطيع الأفكار". ومع ذلك، تقول أحدث الدراسات، التي تقودها كلية لندن الجامعية، إن مشاركة الأعمال مع الآخرين واتخاذ القرارات المشتركة، يساعد على التوصل إلى الإجابة الصحيحة.
وبهذا الصدد، قال الكاتب الرئيس الدكتور، جواكين نفاجاس، في جامعة Torcuato Di Tella بالأرجنتين: "وجدت العديد من الدراسات السابقة أن مناقشة الأفكار مع الآخرين، يمكن أن تعيق الحكمة الجماعية، لأن النفوذ الاجتماعي يؤدي إلى التقليد واختفاء قوة الحشد. ولكننا وجدنا أن التأثير الاجتماعي والمداولات داخل المجموعة، زادت من حكمة الحشود. ومن خلال حساب متوسط التقديرات الجماعية القادمة من مجموعات مختلفة، وجدنا أن الحشد أصبح أكثر حكمة، وانخفض الخطأ بنسبة 50%".
وتتفق النتائج مع البحث في التعلم التعاوني، الذي يوضح أن استراتيجيات "التفكير المزدوج" والنقاش بين الأشخاص، يمكنها زيادة إمكانية فهم المشاكل والأحداث.
ووجدت الدراسة أيضا أن المجموعات، التي لدى أفرادها وجهات نظر متعارضة تماما، يمكن أن تصل إلى توافق في الآراء في ثلث الحالات. حسب rt
اضافةتعليق
التعليقات