المرأة بطبيعة الحال كائن حساس نحتاج لنظرة واضحة ومتوازنة للحكم بكل الامور المتعلقة فيها وتناول جوانبها بالطُرق الوسطية التي نضمن بها نظرة عادلة..
ولكن إذا ما أخذنا نظرة سريعة لكل الفرق التي تناولت قضايا المرأة وسلطت الضوء على أهم جوانبها نراها قد تبنت طريقاً يعدُ ناقصاً من حيث المطلوب، فهي تُسلط الضوء على جانب مُعين وتهملُ الاخر وكل هذه الفرق تفتقر للنظرة الشمولية التي تحتاجها المرأة في عصرنا الحالي، فعلى سبيل المثال تُنادي النظرة الغربية بالانفتاح والمساواة وضمان حقوق المرأة ولكن بطبيعة الحال يظهرُ جلياً أنها تسلبُ كرامتها وتُجردها من وجودها الجوهري وتنظرُ اليها على أنها جسدُ فقط، والنظرة الأخرى هي النظرة الجاهلة والتي ترى أنَّ المرأة عارُ يجب أن يُدفن..
فاذا ما أردنا تناول قضايا المرأة بصورة عميقة، واضحة بعيداً عن المصالح الشخصية فلابد لنا أن نسلك الطريق المتكامل والذي يكون على إحاطة شاملة بها، ولهذا حين نستقرؤها في الاسلام المحمدي العلوي نراه قد ضمن حقوق المرأة وصانها بل وحطم كل القيود ورفع كل الظُلامات عليها..
الآن في عصرنا الحالي وفي قراءة سريعة لواقع المرأة نجد هناك تيارين متعاكسين:
الاول: التيار المنادي بالإنفتاح للمرأة بالمفهوم الخاطىء والذي بالحقيقة ليس إنفتاحاً بقدر ما هو إبتذال لشخصها..
الثاني: التيار المُنادي بالانغلاق عن المجتمع والواقع بحجة الحفاظ والسلامة لها حتى نجدها إنها قد تخلَّفت عن كثيراً من الأمور وتراجعت الف خطوة للوراء..
وللوقوف على أبعاد هذه القضية ناقش مُلتقى المودة للحوار ضمن برنامجه الفكري الحواري الذي تستضيفه مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة هذه القضية تحت عنوان: المرأة بين الإنفتاح والإنغلاق الاجتماعي بحضور شخصيات دينية وثقافية وإعلامية..
كان النقاش يدور حول سؤالين الأول: ماهو رأيكم بالانغلاق او الانزواء وهل هو حالة سلبية او ايجابية؟
فكانت البداية عند الكاتبة زينب الأسدي فقالت: بأن هذا الأمر موجود منذُ البداية من عهد الكنيسة التي كانت تُصادر الحُريات وتحرق العلماء وترفضُ كل ما هو عقلي والآن قد يرى بعضُ الطبقات التي تعتبرُ نفسها إنها في خانة المُثقفين إن الأسلام كـ الكنيسة يفرضُ على المرأة بعض مظاهر الإنغلاق مُتناسين إن الاسلام ومنُذ بداياته كان مشروعاً حضارياً متكاملاً جاء لينقذ البشرية بعد ما كانت غارقة في الحروب القبلية والنفسية، فهو أول من أطلق معالم الحضارة حين جاء بـ أقرأ ونادى بالإنفتاح الإيجابي للرجل والمرأة كحدٍ سواء، فالمرأة التي تستطيع أن تُجابه الظُلم وتستطيع أن تقرأ وتمارس حقوقها بكل إيجابية، وتتمكن من وضع اللبنات الأولى في بناء أُسرة متكاملة تخرجُ بنماذج علمية وعملية مُثقفة، وتكون ذا دورُ قيادي في إدارة أُسرة ناجحة تخرجُ على الأقل بمصاديق ليست عالة على المجتمع هي أمراة منفتحة..
ثم أكملت الأسدي قولها إننا حين نستطيع الموازنة بين القول والعمل سنخرج بحالة من الإنفتاح السلمي..
وأجابت وصال الأسدي (اعلامية) حول هذا الموضوع فقالت: نحنُ الآن أمام إنهيار أُسسي كبير لأننا بدأنا نستقطبُ ثقافات أُخرى لا تعتمد على الثوابت والأُسس التي جاء بها الاسلام وهذا ما جعل المرأة تسلكُ أحد الطريقين أما الإنفتاح التام أو الإنغلاق التام ولهذا يجب علينا أن نوازن بين الطريقين ونسلكُ الطريق الإسلامي لأنه الأصلح والمثال الحي الذي لايمكن أن تتناساه السنين والأجيال هو مثال السيدة زينب (صلوات الله عليها) فقد مارست جميع الحقوق والمهمات من الحقوق السياسية والدفاع عن الحق والإقتصادية وحماية الأسرة واغداق الحنان عليهم بكامل حشمتها وعفتها..
أما زهراء وحيدي (ناشطة وكاتبة) فكان جوابها يتلخص حول: إنَّ الإنفتاح بهذا الوقت تحت ثلاث خطوط حمراء لأن الأعلام لا يطرح سوى الصورة السلبية من الإنفتاح المقرون بالعلمانية من رفض الحجاب والإختلاط الخارج عن الحدود، وبطبيعة الحال فأن المجتمع العراقي هو مجتمع إجتماعي ولكن المشكلة تكمن في عدم فهم الإنفتاح الإيجابي خاصة فيما يخصُ إنفتاح المرأة الذي يُمكَّنها من تطوير نفسها والإرتقاء بها نحو مدارج الثقافة الإيجابية..
والأمر الثاني إن خطورة هذا الإنفتاح تكمن في عدم وجود خلفية ثقافية دينية إخلاقية قوية للمرأة تُمكنَّها من مقاومة الإنجراف وراء الإنفتاح السلبي وتمنحها الحصانة المطلوبة.
أما الأمر الثالث هو غياب الصورة الإعلامية الإيجابية حول بيان ماهيَّة الإنفتاح الإيجابي ومساوىء الإنفتاح السلبي وتقديم القدوة الصالحة للمرأة..
وأما منار قاسم ( ناشطة): فقد كان رأيها يكمن في إنَّ الخطورة تكمنُ في الإنفتاح المُطلق أكثر من الإنزواء لكونه يجعل من المرأة نُسخة مكررة للمرأة الغربية من ثقافة ومبادىء وغيرها، وأيضاً تطرقت الى سلبيات هذا الإنفتاح من سلب الثقة بالنفس وهدمها دينياً وأُسرياً وأخلاقياً وبالتالي يجعل منها إمرأة مُكتئبة مصابة بكافة الأمراض النفسية والجسدية، ثم تطرقت الى نقطة مهمة وهي في بعض الأحيان يكون الإنعزال مطلوب في حياة المرأة حتى يتسنى لها محاسبة النفس والإبتعاد عن كثير من المحرمات التي تفعلها دون أن تدرك خطورتها من الغيبة والتقصير بالصلاة وغيرها من الأمور، ثم ختمت حديثها بخُلاصة: على المرأة أنَّ تمارس الإنفتاح المصحوب بالعقلانية والأخلاق التي تُمكنها من تمييز الصواب من الخطأ..
وأما رُقية تاج (مديرة تحرير) فقد كان رأيها يصبُ في إنَّ الإنسان بطبيعته يحب حالة الإجتماعية وبهذا يكون الإنزواء حالة سلبية لما لها من تأثيرات سلبية تكمن في منع التطور والتعرف على ثقافات أُخرى والتعلم وتقديم خدمة إجتماعية مُشيرة الى إنَّ مجتمعنا يُعاني من فقدان الوسطية في الأمور (خير الأمور أوسطها) فهو يميل الى التطرف في أموره إما مُثقف مُلحد او مُلتزم معقد، وهذا الخطأ يقع على عاتق المُثقفين والمصلحين الذي لم يتمكنوا من تقديم نماذج وسطية مُعتدلة.
وأشارت تاج أيضاً الى أنَّ هناك فئة قد تكون ظاهراً هي منعزلة نتيجة لظروف معينة قد تُفرض عليها ولكنها بالحقيقة تُمارس حقوقها والواجبات المُلقاة عليها بكل حرية وهذا ما يجعلها إمراة منتجة وعاملة..
أما مروة الجبوري (كاتبة) فقد كانت ترى أن هناك مسافة بين الإنغلاق والإنفتاح الا وهي معرفة البيئة التي تعيش بها المرأة لأنها تؤثر كثيراً على مسار حياتها..
وقالت ولاء عطشان (ناشطة دينية): إننَّا نحتاج الى معرفة مفهوم الإنفتاح والإنغلاق بالصورة الصحيحة لأننا نُعاني من الفهم الخاطىء لهذين المفهومين..
فالمرأة التي يُقال عنها إنها نصف المجتمع هي بالحقيقة ستُربي النصف الآخر ايضاً فهي بالتالي تُمثل كل المجتمع وهذا يجعلها تحتاح لمعرفة وثقافة وأساس أخلاقي ديني رصين يُمكنَّها من تنشئة الجيل الذي بين يديها تربية صحيحة، تحتاج لمواكبة العصر والتطور ليمكنَّها من التعامل والدخول بالمجتمع دخولاً صحيحاً..
وقالت سجى الكربلائي (كاتبة) إننا أمام نوعين من الإنغلاق وهو الإنغلاق الإرادي الإختياري والإنغلاق المفروض الإجباري، فالإجباري تحتاج فيه التعايش والقبولية معه وأستغلاله بالصورة الإيجابية التي تُتيح لها تقديم الأفضل من مكانها..
أما الاختياري فالمرأة تحتاج بين الحين والآخر الى الإنعزال الذي يُمكنها من إعادة برمجة أفكارها، وشحذ همتها وتدعيم معرفتها والرجوع بطاقة أكبر..
وأما أم محسن معاش (مديرة الجمعية) كان يتمحور رأيها حول إنَّ هناك صورة من الإنغلاق السلبي كما هو موجود عند بعض الاباء من وجوب جعل أبناءهم نسخة مكررة منهم متناسين أن أختلاف الأجيال والزمان والمكان والأحاسيس له تأثيره الكبير في رسم ملامح الشخصية التي تفرض نفسها جداً في طبيعة العلاقة بين الطرفين وهذا ما يجعلنا امام نوع من الظواهر الإنغلاقية من حالة التشدد الفكري وحتى الديني، أما الإنغلاق الإيجابي فهو الإنغلاق المؤقت الذي يعطي نوع من الأمان الفكري للإنسان، كأن ينعزل فترة من الزمن من أجل تنمية عقيدته، أو صقل أخلاقه وتنمية مهاراته..
ثم أشارت الى نوع من الإنغلاق الذي يُسمى (بين ذاتية) وهو عكوف الفرد على من يشابهه في الأفكار والرؤى وهذا النوع من الإنغلاق اذا كان بمقدار معين فهو جيد أما إذا إزداد للحد الذي ينعزل فيه الفرد عن من يختلف معه فسيكون نوع من الإنغلاق السلبي..
وكان ختام هذا السؤال عند سماحة الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس ادارة مؤسسة النبأ للثقافة والأعلام قائلاً: أن تقصير الفئات المُثقفة والواعية في نقل صورة حسنة إيجابية للمجتمع هو السبب في ترديء واقعنا في الوقت الراهن وبالأخص واقع المرأة، فالمتطرفين اليوم هم إما منفتحين جداً أو منغلقين جدا تولدت عندهم ردات فعل عكسية جعلت منهم متطرفين ونماذج هؤلاء كثيرين أمثال سيد قطب وغيره. ممن وصلوا الى نقطة النهاية في عدم فهم الآخرين وتقبٌّلهم، فغياب القناة الأخلاقية التي ترشَّده الى الطريق الصحيح تجعل منه كائن سلبي، مُتخلف فكرياً وثقافياً ولهذا فإننا نحتاج الى حدود توضح معالم الإنفتاح السلبي والإيجابي لتجنب الوقوع في مُستنقعات خطيرة..
وهو ايضاً مشكلة ذاتية تتمثل في فقدان الثقة بالنفس فيسلك هذا الطريق ليثبت لنفسه ولغيره بأنه قادر. فأننا بحاجة لنكون إنسان مسؤول عن ذاته وعائلته ومجتمعه وهذه المسؤولية هي التي تصنع الحدود.. (وكذلك جعلناكم امة وسطا)، فالفردُ منا يحتاج لوعي وتفكَّر تجعل منه إنساناً مُثقفاً وعاملاً إيجابياً.
وايضاً أشار سماحته الى إنَّ هناك نقطة شرعية مهمة قد تحدد كثيراً من طبيعة عملنا وهي المسافة بين الرغبة والوظيفة الشرعية فالإنسان المؤمن الملتزم هو الذي يقدم الوظيفة على الرغبة وبالتالي يعمل وفق المسؤولية المُناطة له..
بعدها إنتقلنا بمحور حديثنا لسؤالنا الثاني والذي كان: كيف يمكن أنَّ تمارس المرأة دورا إيجابياً؟
فأجابت مروة خالد (كاتبة): بضرورة أن يكون المجتمع مُثقفَ من هذه الناحية وليس المرأة فقط حتى تستطيع المرأة ان تُؤدي دوراً فعالاً ولابد من مُساندة الرجل لها وإحترام رأيها والدور المطلوب منها حتى تستطيع أن تنتج وتُقدم..
ثم قالت أن هناك ثلاث نماذج من النساء نراها في عصرنا الحالي:
النموذج الأول: امرأة لاتعرف دورها أو مسؤوليتها لا تعرف أين هي وماذا تريد؟ وهذه امرأة تُحطم نفسها وأُسرتها وبالتالي تُحطم مجتمعا كاملا.
النموذج الثاني: النموذج الذي يُقلد تقليد أعمى معتبراً الغزو الثقافي والغربي هو تطور وهذا ايضاً يفتكُ بالمجتمع والأسرة كحدٍ سواء.
النموذج الثالث: هو الذي ينتج ويبدع وهو المطلوب ولكن هذا النموذج قليل او مُحارب بمختلف أساليب الإنتقاد ولهذا يحتاج لمساحة كافية من الاحترام والتقدير حتى يعمل.
وكانت إجابة رقية تاج: أن بامكان المرأة ممارسة دورها الإيجابي عندما تبدأ من نفسها ثم من أطفالها ومحيط الأسرة لتنتقل به لمجتمع صالح، فعندما تكون لديها حس بالمسؤولية وأنها صاحبة هدف عالٍ في هذه الحياة ستكون قادرة على العمل والإنتاج بصورة إيجابية.
وكان رأي فهيمة رضا (كاتبة): الإنسان بطبيعته حريص على ما مُنع، لذا فلإنغلاق السلبي هو خطوة مدمرة لذات الإنسان ولمجتمعه، وقالت إنَّ العامل الرئيسي وراء غياب دور المرأة الإيجابي هو غياب الثقة بالنفس فمتى ما تسلحت بالثقة بالنفس تأتي المبادىء والقيم والأخلاق فتفعل كل شيء وتؤدي دورها بأكمل صور إيجابية فعَّالة.
وقالت زهراء وحيدي: اذا عرفت المرأة رسالتها بالصورة الصحيحة والهدف من وجودها في هذا الكون وتؤمن به حق الإيمان ستؤدي دوراً إيجابياً فعَّالاً.
وكان رأي وصال الأسدي: كل سلوك يُمارس بالمجتمع هو نتاج طبيعة تفكير هذا الشخص إذا كان سلبي أو إيجابي واذا أرادت المرأة أن تؤدي دوراً إيجابياً يجب عليها أن تطلق العنان لتفكيرها الإيجابي حتى تبدع وتعمل وتُقدم وحتى توازن بين العمل والاسرة والهوايات وكل دوائر الحياة لتنتج وتكون فعالة ذات تأثير وبصمة..
وأضافت زينب الاسدي: الحياة ليست جيدة جداً وليست سيئة جداً فلايمكن انَّ نكون ايجابيين جداً وعلى الدوام وليس صحيحاً ان نكون سلبيين جداً بل الحالة الوسطية هي المطلوبة وعلينا أن ندرك هذه الحقيقة حتى نتمكن من إفشاء حالة التعايش السلمي بين أبناء المجتمع، فمتى ما شاعت هذه الحالة ستُخلَّف مُجتمعا عاملاً وقادراً على صُنع الفارق، وأشارت أيضا إلى نقطة مُهمة جداً قد يكون الأغلب الأعم مُتغافلاً عنها وهي إنَّ ممارسة الحياة الروتينية له انعكاسه السلبي على إنتاجية الفرد وتعايشه ايضاً..
وأشارت ام محسن معاش: الى أنَّ من الضرورة أن تُفرق المرأة بين العمل والوظيفة، فالعمل يختلف عن الوظيفة إذ ان العمل يكون مقابل مردود مادي، والوظيفة تعني أداء المسؤولية في أي وقت ومكان وعلى كل الأصعدة فمتى ما تولدت لدينا مسؤولية تغيير أي عمل سلبي نراه سنكون قد إرتقينا بأداء أدوارنا بشكل إيجابي.
ومسك الختام كان عند سماحة الشيخ مرتضى معاش قال: أنَّ رؤية الرجل تصنعها المرأة، فالمرأة هي التي تُحدد أخلاقه، أطباعه وأفكاره هي من تجعل منه رجلاً إيجابياً يحترم دورها والعكس صحيح..
وأشار الى أنَّ المرأة الإيجابية هي المرأة التي تتحمل في سبيل صناعة الحياة الجيدة وهي التي لا تتذمر ولا تتطلب، فمتى ما اجتمعت فيها هذه الصفات ستكون إنسانة واعية ناجحة ذا دوراً فعَّالاً..
جدير بالذكر ان جمعية المودة والازدهار النسوية تهدف الى توعية وتحصين المرأة ثقافياً لمواجهة تحديات العصر والعمل على مواجهة المشاكل التي تواجهها واعداد العلاقات التربوية الواعية التي تُعنى بشؤون الاسرة وكذلك دعم ورعاية الطفولة بما يضمن خلق جيل جديد واع وتسعى الجمعية لتحقيق اهدافها عبر اقامة المؤتمرات والندوات والدورات واصدار الكراسات واعداد البحوث والدراسات المختصة بقضايا المرأة والطفل.
اضافةتعليق
التعليقات