تتجدد في الخامس من شهر صفر من كل عام ذكرى أليمة ومؤثرة في قلوب المسلمين، وهي ذكرى استشهاد السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليهما السلام) في عام 61 للهجرة. هذه الذكرى ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي محطة للتأمل في مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) وصبرهم العظيم في وجه الظلم والطغيان.
طفولة في ظل الكرامة والمعاناة
السيدة رقية، المعروفة بـ "فراشة كربلاء"، هي إحدى بنات الإمام الحسين (عليه السلام) التي شهدت فاجعة كربلاء بكل تفاصيلها المؤلمة. كانت طفلة صغيرة لم تتجاوز السنوات القليلة، لكنها عاشت مرارة العطش، وشاهدت مصرع أبيها وإخوتها وأعمامها أمام عينيها، ثم سُبيت مع نساء وأطفال أهل البيت إلى الكوفة ثم إلى الشام.
الشام ومحنة الأسر
في الشام، حيث كان الطاغية يزيد بن معاوية يعيش في قصوره، أُدخلت السيدة رقية مع باقي السبايا إلى خربة مهجورة لا تقي من حر الصيف ولا برد الشتاء. هناك، بلغ الحزن منها مبلغه، وكانت تتذكر والدها الحسين (عليه السلام) وتتوق لرؤيته. الروايات التاريخية تذكر أنها استيقظت ذات ليلة مفزوعة تبكي وتنادي: "أين أبي الحسين؟" فلما سمع يزيد بذلك، أمر برأس الإمام الحسين (عليه السلام) الشريف أن يوضع بين يديها.
مشهد الوداع الأخير
عندما رأت السيدة رقية رأس أبيها، ضمتّه إلى صدرها وبدأت تبكي بحرقة وتنادي: "يا أبتاه، من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه، من ذا الذي قطع وريدك؟" لم تتحمل الطفلة الصغيرة هول المشهد وعظم المصاب، ففاضت روحها الطاهرة بين يدي رأس أبيها، لتلحق به شهيدة مظلومة. كان استشهادها إيذانا بانتهاء معاناتها الجسدية، لكن قصتها ظلت حية في ضمائر الأحرار.
رسائل من ذكرى استشهادها
تحمل ذكرى استشهاد السيدة رقية (عليها السلام) في الخامس من صفر رسائل عميقة للعالم أجمع:
* الصبر والتضحية: تذكرنا هذه الفاجعة بصبر أهل البيت (عليهم السلام) على المحن والتضحيات الجسام التي قدموها في سبيل إعلاء كلمة الحق.
* مظلومية الطفولة: تسلط الضوء على بشاعة الظلم الذي يمكن أن يطال حتى الأطفال الأبرياء، وتؤكد على أهمية حماية الطفولة من ويلات الحروب والصراعات.
* رفض الظلم: تدعونا هذه الذكرى إلى رفض الظلم والطغيان في كل زمان ومكان، والتأسي بأهل البيت (عليهم السلام) في ثورتهم ضد الباطل.
* العناية بالمرأة والطفل: تلفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بالمرأة والطفل وحمايتهم، فهما الفئة الأكثر تضررا من النزاعات والحروب.
كيف تقتدي البنات بالسيدة رقية (عليها السلام)؟
رغم صغر سنها، تحمل سيرة السيدة رقية (عليها السلام) دروسًا عظيمة يمكن للبنات الاقتداء بها في حياتهن:
* القوة في الإيمان: كانت السيدة رقية تتمتع بإيمان قوي وثبات على الحق، رغم كل ما مرت به من مصائب. يمكن للبنات أن يتعلمن منها أهمية الثقة بالله والتوكل عليه في الشدائد.
* الحب والوفاء للأهل: أظهرت السيدة رقية حبًا عميقًا ووفاءً لأبيها الإمام الحسين (عليه السلام). هذا يذكر البنات بضرورة بر الوالدين وتقدير الأسرة والعلاقات العائلية.
* الصبر على المحن: عاشت السيدة رقية ظروفًا قاسية جدًا، ومع ذلك تحملت وصبرت. يمكن للبنات أن يكتسبن منها درسًا في الصبر على الصعوبات والتحديات التي قد تواجههن في حياتهن، وتعلم كيفية التعامل معها بشجاعة.
* التعاطف والإحساس بالآخرين: بالرغم من معاناتها، كانت السيدة رقية جزءًا من قافلة الأسرى الذين تقاسموا الألم. هذا يعلم البنات أهمية التعاطف مع الآخرين ومساندة من هم في ضيق أو حاجة.
* الشجاعة في التعبير عن الحق: لم تخف السيدة رقية من المطالبة بأبيها، حتى في أسر يزيد. هذا يغرس في البنات قيمة الشجاعة في التعبير عن الحق والتمسك به، حتى لو كان ذلك صعبًا.
لا تزال قصة السيدة رقية (عليها السلام) مصدر إلهام للملايين، وهي دعوة دائمة لإحياء قيم العدل والرحمة والإنسانية في مجتمعاتنا. رحم الله السيدة رقية وأسكنها فسيح جناته، وجعلنا من السائرين على نهج أهل البيت (عليهم السلام).
اضافةتعليق
التعليقات