في هذا الحوار مع (بشرى حياة) نغوص في عالم الكاتبة الكربلائية مروة حسن الجبوري، لنتعرف على بصمتها الأدبية وكيف تشكلت في رحم المدينة المقدسة، لنكتشف كيف تنسج روح كربلاء في نصوصها، وتوازن بين قدسية المكان وإنسانية الإنسان.
س: من هي مروة حسن الجبوري؟ وكيف أثرت مدينة كربلاء، بتاريخها وروحانيتها، على نوع الكتابة الذي اخترتِه؟
مروة: أنا ابنة كربلاء، ولدت في منطقة "باب السلالمة" حيث انطلقت أولى صرخاتي في هذه الحياة. كربلاء في نظري ليست مجرد مدينة، بل هي سر من أسرار الله وهبها لسيد الشهداء (عليه السلام)، فأصبحت نبراساً وضياءً للعالمين.
تأثيرها على كتابتي عميق وجوهري؛ فهي مدينة تتنفس التاريخ الإسلامي وتفيض بالأجواء الروحانية. إنها بوصلة الكاتب الحر الذي يعرف كيف يستنهض الفكر والثقافة من أزقتها وجدرانها. مع نضوجي، وجدت نفسي أميل إلى كتابة النصوص التي توازن بين الوجدان الإنساني والبعد الروحي، لأن من ولد وعاش هنا يعرف أن لكل كلمة تُكتب صدى يتجاوز اللحظة العابرة، ليبقى خالداً إلى يوم يبعثون.
س: ما هي التحديات الأكبر التي واجهتكِ ككاتبة، خصوصاً في بيئة ثقافية واجتماعية مثل كربلاء؟ وهل هناك دعم كافٍ للحركة الأدبية النسوية في المدينة؟
مروة: كان التحدي الأكبر يتمثل في النظرة التقليدية للمرأة الكاتبة، وتلك القيود العرفية والعشائرية التي تحدد مساحة المواضيع التي يمكنها طرحها. لكن مع مرور الزمن وانفتاح المجتمع، أصبح المشهد الثقافي أكثر قبولاً وتفهماً.
أما بالنسبة للحركة الأدبية النسوية في كربلاء، فأراها مزدهرة بفضل الجمعيات والمؤسسات الجادة التي تحتضن المواهب النسوية وتمنحها فرصاً حقيقية للنشر والظهور الإعلامي الصحيح.
س: هل تشعرين أن هناك مواضيع معينة مرتبطة بكربلاء لم تُستكشف بعد، وتودّين تسليط الضوء عليها؟
مروة: بالتأكيد. كثير من النصوص تركز على البعد الديني فقط، وهو مهم، لكننا بحاجة إلى استكشاف طبقات أخرى من تاريخ المدينة ونسيجها الاجتماعي. هناك محطات لا يعرفها الكثيرون، مثل "الانتفاضة الشعبانية". وهناك كربلاء الحياة اليومية: أسواقها، أزقتها، "الطاق الزعفراني"، "باب الخان"، وصوت "المخيم الحسيني". هذه التفاصيل النابضة بالإنسانية تحتاج إلى من يرويها، وهي أمانة في أعناق أبناء المدينة ومن سكنها.
س: من هو الكاتب الكربلائي، أو العراقي بشكل عام، الذي تعتبرينه مصدر إلهام أو مرجعاً لكِ؟
مروة: قرأت في صغري للعديد من المبدعين العراقيين، ولا أزال أتذكر المجموعة القصصية للشهيدة "بنت الهدى"، وكتاب "قطرات وذرات" للسيد الشيرزاي. أما على مستوى الشعر، فإن الجواهري بتميّزه الفريد في المزج بين الإحساس الفردي والمشاعر الجمعية، يظل مصدر إلهام دائم لي.
س: ما هي طقوسكِ الخاصة في الكتابة؟ وهل هناك مكان محدد في كربلاء يمنحكِ الإلهام لتبدئي بالكتابة؟
مروة: طقوسي بسيطة وعفوية، لا أملك طقوساً مثالية كما قد يتخيل البعض. قد تكون قصيدة حسينية أو زيارة عاشوراء هي الشرارة. أحياناً، يختلط صوت الزائرين مع ضجيج أولادي وصوت السوق، فيولد نصٌ حيٌ، قريب من القارئ، يجمع بين صفاء الروح ودفء الحياة اليومية.
س: لو أمكنكِ أن تُوجهي رسالة واحدة للقارئ غير العراقي عن كربلاء، فماذا ستقولين فيها؟
مروة: أقول: "كربلاء هي إكسير الحياة. من أراد الحياة فليأتي إلى هنا. فيها من الرحمة ما يكفي ليجعل الإنسان رحيماً، وفيها من الفرح ما يكفي لأن تُؤمن أن مخاض هذه المدينة العظيمة قد انتهى، لتبقى منارة أملٍ وضياء."
س: ما هي طموحاتكِ المستقبلية على الصعيد الأدبي؟ وهل تخططين للابتعاد عن مواضيع كربلاء أم التوغل فيها أكثر؟
مروة: طموحي هو كتابة نصوص كربلائية تحمل هوية المدينة ورائحتها، ولكن بلغة إنسانية يفهمها الجميع وتصل إلى العالمية. أتوق بشكل خاص إلى كتابة "الانتفاضة الشعبانية"، فنحن من عوائل الشهداء، وأريد أن أجعل من هذه القصص بوابةً تلامس جوهر الإنسان أينما كان ومهما كانت معتقداته. كربلاء ليست موضوعاً سأبتعد عنه، بل هي ينبوع سأواصل التوغل فيه لأستقي المزيد.
س: ما هو الكتاب، سواء كان من تأليفكِ أو من قراءاتكِ، الذي تعتبرينه علامة فارقة في مسيرتكِ؟
مروة: قراءاتي المتنوعة في الأدبين العالمي والعربي جعلتني أفكر ملياً قبل أن أدون أي حرف. أما على صعيد كتاباتي، فأعتبر قصة "ليلى وذئاب الهجرة" و "سفر روح" علامتين بارزتين، لأنهما كانتا البداية التي عرّفتني على صوتي الحقيقي. لكن القصة الأقرب إلى قلبي هي "مدهامتان"، التي كتبتها وما زلت أعيش في تفاصيل كل حرف منها.
ختاما: هكذا تحدثت مروة الجبوري، بحروف تَعْرفُ أنَّ لها صدى، وبروحٍ تحمل عبق كربلاء ليس كمدينةٍ تُزار، بل كروحٍ تُلهِم. في سردها، لا تبحث مروة عن بطولة الأساطير، بل عن بطولة الإنسان العادي الذي يحمل في قلبه شيئاً من غبار هذه الأرض المقدسة، وفي صوته صدى أذانها الخالد.
هي كاتبة ترفض أن تُختَزَل مدينتها في بعدٍ واحد، فتنقب في ذاكرة الأزقة والأسواق، وتستمع إلى همسات الجدران، لتقدم للعالم كربلاءً أخرى: كربلاء الإنسان، والألم، والأمل، والانتفاضة، والحياة التي لا تتوقف.
في نهاية هذا الحوار، لا يسعنا إلا أن نرى في تجربتها نوراً يقود نحو كتابةٍ لا تفصل القداسة عن الواقع، ولا الروح عن الجسد. إنها برهان على أن أعظم الكتابة هي التي تنبع من القلب، وتحمل هوية المكان، لتخاطب بهِ العالم أجمع.








اضافةتعليق
التعليقات