في قلب بيئة تُوصف بالتحدي تخرج دائمًا زهرة عنيدة ترفض الانصياع للقحط هكذا كانت بداية رحلة "وادي البذور" التي لم تكن مجرد مشروع تجاري بل كانت ثمرة شغف شخصي تحول إلى هوس ثم إلى رسالة رسالة تهدف إلى إعادة الخضرة إلى القلوب قبل الأرض وتقديم الجمال والغذاء عبر بذور تحمل معها قصصًا من العالم ولكنها تتكيف مع واقع العراق في هذا الحوار الخاص أجرى موقع (بشرى حياة) حوارًا مع المهندسة الزراعية الكربلائية إيمان الصفار لتنقل لنا تفاصيل رحلة مليئة بالتحديات واللمحات الصغيرة التي صنعت فرقًا كبيرًا.
بدايات الفكرة والتحول إلى رسالة
بداية أريد أن أعبر عن فخري ككربلائية بمشروع وطني كهذا ينطلق من أرضنا
-حدثينا عن اللحظة التي تحول فيها هوسك الشخصي بالنباتات الغريبة إلى فكرة مشروع "وادي البذور"؟
كان مشهدًا لا أنساه هنا في كربلاء كنت أبحث عن بذور عادية ثم وقعت عيناي على صورة "كوسا صدفي" تشبه الوردة في كتالوج أمريكي انبهرت! لكن عند سؤالي قيل لي: "هذه غير مرغوبة هنا وسعرها سيكون خياليًا إذا طلبتها" في تلك اللحظة أدركت أن هناك فجوة بين ما هو موجود عالميًا وما يمكن للعراقي وخاصة الكربلائي الوصول إليه قررت أن أكون الجسر من هنا من مدينتنا.
وأضافت الصفار هذا يذكرني بتحديات البيئة المحلية.
وكيف استفدت من خلفيتك الأكاديمية في "وقاية النباتات" في هذا المشروع الزراعي التجاري؟
لقد منحني التخصص رغم اختلافه مناعة ضد أهم خطر: "الجهل" علمني كيف أبحث علميًا وأقرأ الأسماء اللاتينية وأفهم طبيعة الأمراض الأهم ساعدني في اختيار أصناف لديها مقاومة طبيعية لأمراض شائعة في بيئتنا العراقية والكربلائية تحديدًا لم أكن أبيع بذورًا فقط بل كنت أبيع "فرصة نجاح" مضمونة للزارع.
الهوية والتحدي الأكبر: التغليف والجودة
اسم "وادي البذور" جميل ومعبّر ويثير الفضول كيف ولدت هذه الفكرة من خصوصية كربلاء؟
ظللت أبحث لستة أشهر! أردت اسمًا يجمع بين البساطة والهوية الكربلائية تذكرت أن كربلاء كانت تسمى "وادي كربلاء" وأن "الوادي" في الجغرافيا هو مكان الخصوبة والحياة خشيت أن يختلط الأمر بمقبرة وادي السلام فاستقرينا على "وادي البذور" ليكون الوادي الرمزي الذي تنمو فيه أحلام المزارعين وهواة الزراعة من كل العراق انطلاقًا من تربتنا المباركة.
- ما هو أكبر تحدي عملي واجهكِ ولم تكن تتوقعينه بهذا الحجم خاصة في مجتمعنا المحلي؟
التغليف! بكل صدق لم أتخيل أن شكل المغلف وجودة الطباعة ستكون معركة بهذا العذاب بدأنا بجودة متواضعة محليًا في كربلاء مع أخطاء مستمرة وأسعار متضخمة كاد الأمر يقتل الحماس فيّ لكن رسائل الشكر من الزبائن الكربلائيين أولًا ثم من باقي المحافظات كانت تنعشني تدرجنا من طباعة محلية إلى استيراد أكياس وأخيرًا إلى التعاقد مع مطبعة مرموقة في الصين للحصول على تغليف مقاوم وعالي الجودة لنقول: "الكربلائي والعراقي عمومًا يستحق الأفضل".
الأثر والدرس الأهم
* أحد أسباب نجاحكم هو التركيز على "التعريب" وتبسيط المعلومات لماذا ركزت على هذه النقطة بالذات؟
لانني رأيت معاناة المستهلك العراقي وهو يشاهد صورة نبات جميل على مغلف لكن المعلومات بلغة اجنبية وان نجح في ترجمتها فهي لا تتناسب مع موعد الزراعة في العراق الشركات المستوردة تتجاهل هذه المشكلة قررت أن أكون الحل أصبح المغلف بمثابة "مرشد زراعي" مصغر: تعليمات باللغة العربية وبطريقة علمية عملية مع نسبة إنبات حقيقية بعد الاختبار وحتى يزداد الامر سهولة وضعنا أيقونات بسيطة في مقدمة المغلف توضح فيما إذا كان النبات عطريًا أو معمرًا او قزمي أردت أن يشعر الزبون في النجف أو البصرة أو دهوك بأنه محط اهتمام وليس مجرد رقم بيع.
-كيف تقيسين الأثر الاجتماعي لمشروعك على أرض الواقع في مجتمعنا؟
الأثر يأتيني على شكل "صور" صور أزهار وثمار من بصرّة من أربيل من النجف ومن ساحات بيوت كربلاء نفسها رسائل مثل: "أم شهد" التي تكتب: "حديقتي اليوم بفضل بذوركم" أو طلبات توفير أنواع نادرة يرصدها الزبائن في منشورات أجنبية نحن نبني مجتمعًا من عشاق الجمال والأجمل عندما نرفض توفير نوع لا يتناسب مع مناخنا ونشرح السبب بشفافية فيشكروننا على الأمانة العلمية.
- ككربلائية ومهندسة ما هي أهم مهارة أو درس تعلمتيه في هذه الرحلة وأريد أن أسمعه؟
أن أختلف حتى في المألوف فمثلا الخضروات المحلية مثل الريحان والكرفس كانت تُباع في أكياس شفافة بخط رديء في سوقنا الكربلائي لم نغير البذرة بل غيّرنا طريقة عرضها: مغلف أنيق صورة ومعلومات ذات مرة قال لي حاج مسن كربلائي: "الآن لي نفس أزرع!" كانت تلك أجمل إجابة النجاح ليس دائمًا في اختراع شيء جديد بل في تقديم الموجود بإتقان وحب بطريقة تلامس القلب.
-إذا نظرتِ إلى الوراء، ما هو أكثر درس قيّم تعلمتيه من هذه الرحلة؟ وما الكلمة التي تريدين أن تقوليها لإيمان التي بدأت المشروع قبل سنوات؟
بالنظر إلى الوراء، أكثر درس قيّم تعلمته من هذه الرحلة هو أن التحدي الأكبر ليس في بداية الفكرة نفسها، بل في الثبات أمام الشك والاستهزاء الذي قد يواجه أي مشروع جديد أو فكرة مختلفة. لكنكِ كنتِ محاربة شجاعة، استمريتِ رغم كل العواصف التي عصفت بحياتك بشكل عام وبمشروعك بشكل خاص. دافعتِ عن فكرتك وأهدافك وحولتهاِ من مجرد فكرة صغيرة تدور في بالك إلى واقع جميل ساهم في تطوير إيجابي ملموس.
لقد نلتي بلقب "المهندسة الزراعية" عن جدارة، وأنا فخورة بكِ جداً. أتمنى أن تستمري في التطوير ولا تستسلمي أبداً، وأن تتركي أثراً طيباً في هذا العالم يبقى حياً حتى بعد رحيلك، ولو لسنوات طويلة.
-كلمة أخيرة من كربلائية إلى كل من يملك فكرةً ويخاف من الفشل خاصة في مدينتنا أو وطننا؟
توكل وابدأ من حيث أنت اسمح لنفسك بالشكوى لمدة يوم ثم قم وابحث عن حل ولو كان جزئيًا كل عقبة تتخطاها تقويك أنت ومشروعك الفكرة الجديدة تحتاج إلى قلب شجاع يحميها من رياح الاستهزاء التي قد تكون قوية في البداية وعقل صبور يحول الصعوبات إلى درجات سلم، لا تنتظر الكمال ابدأ من كربلاء من شارعك من بيتك وأهم شيء: كن أنت أول مؤمن بفكرتك وسيأتي من يدعمك وطننا يحتاج إلى كل فكرة صادقة.
ختامًا إيمان الصفار تخرج لنا قصة أعمق من مجرد نجاح تجاري إنها قصة عن إرادة محلية ترفض تصدير أحلامها وعن ذكاء مجتمعي يحول التحديات إلى بصمات تميز "وادي البذور" لم يكتفِ بملء فراغ في السوق بل ملأ فراغًا في الثقة وأثبت أن الجودة والعلم والجمال يمكن أن يكونوا منتجًا محليًا أصيلًا يصنع في كربلاء لينتشر في كل العراق هذه الرحلة تذكرنا أن أعظم المشاريع تولد من ملاحظة بسيطة لقيمة مُهمَلة في محيطنا المباشر وقلب كبير يرفض أن يكون الوادي قفرًا فيحوله بحب وصبر إلى واحة يغترف منها الجميع.






















اضافةتعليق
التعليقات