تُعدّ التصريحات العلنية للمسؤولين أداةً ذات حدين، فبقدر ما يمكن أن تكون وسيلةً فعّالةً للتواصل مع الجمهور وبناء الثقة، قد تُصبح أيضاً سبباً في إثارة البلبلة وفقدان المصداقية.
وفي زمنٍ تضجّ فيه وسائل الإعلام بالآراء والتحليلات، يُصبح الصمت الحكيم درعاً واقياً للمسؤول الذي لا يمتلك القدرة على ضبط تصريحاته. إنّ مقولة "رُبَّ صمتٍ أبلغُ من ألفِ تصريحٍ أجوفَ" لا تُعبر عن مجرد حكمة شعبية، بل هي قاعدة أساسية في فنّ القيادة والإدارة الرشيدة.
مخاطر التصريحات الفارغة:
إنّ التصريحات التي لا تحمل مضموناً حقيقياً أو وعوداً يمكن الوفاء بها، لا تزيد عن كونها تصريحات جوفاء.
هذه التصريحات تُقوّض ثقة الناس وتُفقِد المسؤول مكانته. فعندما يُظهر المسؤول عدم إلمامه بملفٍ معيّن أو يتسرّع في إطلاق الأحكام والوعود، فإنّه يُعرّض نفسه ومنصبه للانتقاد الحادّ والسخرية. كما أنّ التناقض في التصريحات، أو الرجوع عنها في وقت لاحق، يترك انطباعاً سلبياً بأنّ المسؤول لا يُفكّر ملياً قبل التحدّث، أو أنّه يُخفي حقائق عن الجمهور.
الصمت كدرع للمسؤول:
يُمكن أن يكون الصمت في بعض المواقف أقوى أثراً من الكلام. عندما يُواجه المسؤول سؤالاً لا يمتلك إجابةً واضحةً له، أو عندما تكون القضية حسّاسةً وتتطلّب دراسةً معمّقةً، فإنّ الصمت يُصبح الخيار الأفضل. إنّه يُظهر للملأ أنّ المسؤول حذرٌ ومدركٌ لخطورة ما يقوله، وأنّه يرفض تقديم معلومات غير دقيقة. يُعطي الصمت الفرصة للمسؤول وفريقه لجمع المعلومات اللازمة وتحليلها، للخروج بتصريحٍ مدروسٍ ومقنعٍ في الوقت المناسب.
استراتيجيات قوية للتصريحات المسؤولة:
ليس الهدف من هذا المقال هو تشجيع المسؤولين على الصمت المطلق، بل على تبنّي استراتيجيات تضمن أن تكون تصريحاتهم فعّالةً ومؤثرةً. إليك بعض الوسائل القوية التي يمكن للمسؤولين اعتمادها لتجنّب التصريحات الفارغة:
1. التصريحات المكتوبة والمدروسة:
بدلاً من الظهور في لقاءات إعلامية مباشرة قد تتطلّب استجابات سريعة، يمكن للمسؤول الاعتماد على بيانات رسمية مكتوبة. تُتيح هذه الطريقة مراجعة المحتوى وتدقيقه من قِبل خبراء، مما يضمن دقة المعلومات وتماسك الرسالة.
2. تعيين متحدث رسمي متخصص:
إذا كان المسؤول لا يمتلك المهارات الكافية للتعامل مع وسائل الإعلام، فإنّ الحلّ الأمثل هو تعيين متحدث رسمي. يجب أن يكون هذا الشخص مدرّباً ولديه خبرة في الإعلام والعلاقات العامة. وظيفته هي نقل رسالة المسؤول بوضوح ودقة، والإجابة على أسئلة الصحفيين بطريقة مهنية.
3. التخطيط المسبق لكل لقاء إعلامي:
لا ينبغي للمسؤول أن يظهر في أيّ لقاء إعلامي دون التحضير المسبق. يجب تحديد النقاط الرئيسية التي سيتمّ التطرّق إليها، والإجابات المحتملة للأسئلة المتوقعة. يُساعد هذا التخطيط على تجنّب الانجراف في مواضيع جانبية أو إطلاق وعود غير قابلة للتحقيق.
4. التركيز على الإنجازات والأهداف:
بدلاً من الحديث عن المشاكل بطريقة عامة وغير محدّدة، يجب على المسؤول أن يركّز على ما تمّ إنجازه، والخطوات المستقبلية المخطط لها. هذا يمنح الجمهور شعوراً بالثقة في قدرة المسؤول على إدارة شؤونهم.
في الختام، إنّ القيادة ليست مرتبطةً بالظهور المستمرّ في وسائل الإعلام، بل هي مرتبطةٌ بالقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، والإنجازات الحقيقية. وقد يكون الصمتُ في بعض الأحيان أبلغ رسالة، خاصةً عندما يكون الهدف هو الحفاظ على الثقة وتجنّب الفوضى.








اضافةتعليق
التعليقات