تصادف اليوم، الثالث والعشرون من محرَّم، ذكرى أليمة هزَّت ضمير الأمة، وهي ذكرى التفجير الإرهابي الجبان الذي طال القبة الشريفة لمرقد الإمامين العسكريين (الإمام علي الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام) في سامراء عام 1427هـ (2006م). جريمةٌ لم تكن اعتداءً على حجارةٍ ومبانٍ فحسب، بل كانت طعنةً نجلاء في صميم التاريخ الإسلامي، ومحاولةً فاشلةً لتمزيق نسيج الوحدة بين المسلمين وإطفاء نورٍ من أنوار أهل البيت (عليهم السلام).
فداحة الجريمة وأبعادها:
1. اغتيال التاريخ: مرقد الإمامين العسكريين (عليهما السلام) ليس مجرد بناءٍ معماري، بل هو صرحٌ شامخٌ يحمل في جدرانه عبق قرونٍ من الإيمان والتضحيات، وشاهدٌ على مراحل حاسمة من تاريخ الإسلام. تفجيره محاولةٌ لطمس معلمٍ جليلٍ من معالم التراث الإنساني والإسلامي.
2. استهداف المقدَّس: استهداف أماكن العبادة والمقامات المقدسة جريمةٌ تدل على حقدٍ أعمى وتجاهلٍ تامٍّ لحرمة ما هو مقدس عند ملايين المسلمين في أنحاء العالم. إنها ضربةٌ موجعةٌ للمشاعر الدينية العميقة.
3. إشعال الفتنة: لم تكن الغاية من الجريمة سوى إشعال نار الفتنة الطائفية البغيضة، وزرع بذور الشقاق بين أبناء الأمة الواحدة، مستغلين حساسية الموقف وألم الفاجعة لتحقيق أهداف سياسية دنيئة.
4. صدمةٌ للمسلمين: أحدث التفجير صدمةً عميقةً في قلوب المؤمنين، موجدةً مشاعر الحزن والأسى والسخط على من تجرأ على حرمة هذا المكان الطاهر.
الدروس والعِبر:
* وحدة المصير: أثبتت الأحداث اللاحقة أن محاولات تمزيق الأمة محكوم عليها بالفشل. تجلّت روح التلاحم والتضامن بين المسلمين الأصيلين رغم آلام الجريمة، مؤكدةً أن وحدة المسلمين هي الدرع الحقيقي ضد مخططات التفرقة.
* قوة الإرادة: مثلما أعاد المؤمنون بناء القبة الشريفة أعلى وأجمل، رغم الدمار الهائل، فإنهم يمتلكون الإرادة لمواجهة التحديات وإعادة بناء حاضرهم ومستقبلهم على أسسٍ متينةٍ من الإيمان والوحدة والمعرفة.
* الهدف الحقيقي للإرهاب: كشفت الجريمة أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وإنما يستهدف الجميع ويستغل الدين غطاءً لأجنداتٍ مظلمة. مقاومته مسؤولية جماعية.
نصائح للشباب في هذه الذكرى الأليمة:
1. التعريف بالتاريخ والحقائق: تَحَمَّلوا مسؤولية التعريف بتاريخ المرقد الشريف وسيرة الإمامين العسكريين (عليهما السلام) وأهميتهما في الفكر الإسلامي. انشروا الحقائق عن الجريمة وأهدافها الخبيثة، مستخدمين وسائل التواصل والإعلام بوعي وحكمة. حارِبوا الجهل بالمعرفة.
2. تعميق الوعي الديني الأصيل: تمسكوا بجوهر الدين القائم على المحبة والسلام والعدل والوحدة. احذروا من خطاب الكراهية والتطرف الذي يخدم أعداء الأمة. تَزَوَّدوا بالعلم الشرعي الرصين من مصادره الموثوقة.
3. تعزيز ثقافة الوحدة والتآخي: كونوا جسوراً للتواصل والحوار البنّاء مع أبناء المذاهب الإسلامية كافة. ركزوا على القواسم المشتركة الجامعة، واحترموا خصوصيات الآخرين. تذكروا قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}.
4. تحويل الألم إلى طاقة إيجابية: لا تسمحوا للحزن والغضب أن يقودكم إلى اليأس أو العنف. حولوا مشاعركم إلى طاقة للعمل والإنتاج والبناء. تَطَوَّعوا لخدمة مجتمعكم، واجتهدوا في دراستكم وعملكم، وكونوا نموذجاً للشباب الواعي المسؤول.
5. استخدام وسائل الإعلام بمسؤولية: استخدموا منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل التسامح والسلام والتعريف بالمقدسات الإسلامية وفضح مخططات الإرهاب. تجنبوا الإشاعات والخطاب التحريضي الذي يلعب في يد المتربصين بالأمة.
6. التربية على حبّ أهل البيت (عليهم السلام) والعمل بسنّتهم: ليكن حبكم للإمامين العسكريين (عليهما السلام) دافعاً لاقتفاء أثرهم في العلم، والتقوى، والصبر، وخدمة الناس، ونشر المعارف الإسلامية الأصيلة. فهم قدوتنا في القيم والمبادئ.
7. الوقوف بحزم ضد الإرهاب والتطرف: أدينوا الإرهاب بكل أشكاله وألوانه، وعرّفوا بخطره على الدين والمجتمع. كونوا صوتاً عاقلاً ينبذ العنف ويقدم الإسلام الحقيقي السماح.
ذكرى تفجير القبة الشريفة للإمامين العسكريين (عليهما السلام) جرحٌ نازفٌ في قلب كل مؤمن. لكنها أيضاً منعطفٌ يذكرنا بمسؤوليتنا الجسيمة مسؤولية الحفاظ على التراث، وصيانة الوحدة، ومواجهة الفكر الظلامي بالعلم النيّر، وترسيخ قيم المحبة والتسامح التي جاء بها الإسلام. فلتكن هذه الذكرى حافزاً لشبابنا ليكونوا حماةً للإيمان، وبناةً للوحدة، وسفراءَ للسلام، حاملين مشعل النور الذي أراد أعداء الوحدة إطفاءه، فزادوه تألقاً بإذن الله.
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}.
اضافةتعليق
التعليقات