رغم ما تقدمه شبكة الإنترنت والمواقع الإجتماعية من وسائل تواصل - ظاهرية - فإنها قد أجهزت على مفهوم الأسرة وحطمت العلاقات الإنسانية لترتخي الحبال وتترنح أوتاد وأساسات البيوت التي لطالما وحدت القلوب والعقول.
ومن المفارقات المؤلمة أن تنهار وتتفكك الروابط الأسرية في ظل أكثر العصور انفتاحاً، واتصالاً، وشفافية.
قد يصل الأمر إلى أن نجد عائلة في بيت واحد تتواصل من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، أو أن نجد عوائل يقضي أفرادها ساعات في إستخدام الهواتف دون أي تواصل شخصي فعال، ويكتفي الجميع بالتواصل الافتراضي. وقد تؤدي مثل هذه الممارسات إلى ضعف تطور الشخص اجتماعياً ومهنياً بسبب عدم قدرته على التفاعل الإيجابي والطبيعي مع جوانب الحياة المختلفة.
لقد صارت الشاشة الصغيرة مرآة كبيرة نعكس فيها رغباتنا، ونخبئ خلفها حقيقتنا.
فأي تواصل هذا، حين نصبح غرباء بين أحبتنا، ونعيش حياة مزدوجة: واحدة نُظهرها أمام الكاميرا، وأخرى نكتمها خلف ستار التظاهر؟
إنها وحدة ملونة بالصور، وهمٌ مزخرف بالاعجابات. ولا نقف عند أبواب المشاعر فقط، بل ندخل دهاليز الخصوصية المنتهكة. فكم من سر كشف، وكم من عائلة تشردت، وكم من سمعة نُسفت، بسبب منشور عابر، أو تعليق طائش! إن الكلمة الرقمية رغم خفتها قد تحمل ثقل الخراب.
ثم يأتي الإدمان في صورة خادعة من التسلية تمر الساعات، وتنقضي الأيام، دون أن نشعر أننا نُسرق من أعمارنا، من علاقاتنا، من لحظاتنا الحقيقية.
نعيش في العالم الافتراضي، ونتغرّب عن أنفسنا في الواقع.
إن وسائل التواصل الاجتماعي رغم ما تقدمه من فوائد، إلا أنها تحمل وجهاً قاتماً لا يُرى بسهولة، لكنها تترك أثراً عميقاً لا يُمحى بسرعة. فهل آن الأوان أن نعيد النظر؟ أن نستخدمها لا أن تستعملنا أن نعود لذواتنا، ونمنحها وقتاً خارج الشاشات، تحت ضوء الحياة الحقيقية.
إننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في طريقة استخدامنا لمواقع التواصل، وجعلها وسيلة للتقارب الحقيقي لا سبباً للبعد والانفصال. علينا أن نتذكر أن التواصل الإنساني الحقيقي لا يُقاس بعدد الإعجابات أو المشاركات، بل بنبض اللقاء، ودفء الحديث، وصدق التفاعل.
اضافةتعليق
التعليقات