هل سبق أن شعرت أنك تنفق ببذخ عند شراء الهدايا لمن تحب؟ وهل لاحظت أن المبالغ التي تنفقها على الهدايا تفوق بمراحل ما تنفقه على مشترياتك الشخصية؟
لقد أثبتت أبحاث منذ السبعينيات من القرن الماضي أننا عندما نشتري هدايا للآخرين فإننا قد نمضي وقتا أطول في التسوق والاستشارة بالإضافة إلى إنفاق مبالغ أكبر بمراحل بالمقارنة مع السلع التي نشتريها لأنفسنا.
ويقول راسيل بيلك، أستاذ التسوق بجامعة يورك في تورونتو بكندا، إن الحرص الشديد على اختيار أنسب الهدايا في المناسبات المهمة، مثل ذكرى يوم الزفاف، قد يدفع المشتري إلى إنفاق المزيد من الوقت والمال في عملية الشراء. وثمة عوامل عديدة أخرى تؤثر على حجم المبالغ التي ننفقها على الهدايا، مثل التوقعات الاجتماعية.
لكن ما الذي يدفعنا للإسراف في شراء الهدايا للآخرين؟ وهل للهدايا الباهظة دلالة رمزية أم أن العطاء في حد ذاته يشعرنا بالسعادة؟ وما الذي يجعلنا نغض الطرف عن الأسعار عندما نشتري دمى لأطفالنا أو أحدث الأجهزة الإلكترونية لأزواجنا وزوجاتنا؟
تقول سيغال تيفريت، كبيرة المحاضرين بمركز روبين الأكاديمي في إسرائيل، إن الإنفاق بسخاء على ذوي القربى قد يرجع إلى عوامل نفسية تطورية. فقد خلص بحث، شاركت تيفريت في إعداده، إلى أن درجة القرابة تؤثر على حجم المبالغ التي يدفعها الناس لحديثي الزواج، إذ أن الأقارب المباشرين يقدمون مبالغ أكبر للعروس، يليهم الأصدقاء المقربون ثم الأقارب غير المباشرين.
وتقول تيفريت إن المتخصصين في علم النفس التطوري يرون أن ثمة دوافع لا إرادية تحفزنا على انتهاج سلوكيات تساعد في نشر جيناتنا، ولهذا ننفق مبالغ أكبر على ذوينا المقربين.
وأجرت إليزابيث دون، أستاذة علم النفس بجامعة بريتيش كولومبيا في كندا، دراسة قدمت خلالها لطلاب بالجامعة أموالا وطلبت منهم إنفاقها على أنفسهم أو على شخص آخر. وحصل بعضهم على خمسة دولارات بينما حصل آخرون على 20 دولارا.
ولاحظ الباحثون أن الطلاب الذي أنفقوا المال على آخرين كانوا أكثر سعادة من نظرائهم الذين أنفقوه على أنفسهم، مع أن المشاركين ظنوا في البداية أنهم سيكونون أكثر سعادة لو أنفقوا المال على أنفسهم مما لو أنفقوه على غيرهم.
وترى دون أن مشاركة الموارد مع الآخرين أسهمت في بقاء الجنس البشري، حيث تجعلنا نشعر بالاستقلالية وبأننا قادرون على إحداث فارق في حياة شخص آخر. وتقول دون إن إعطاء الهدايا للآخرين يعزز الشعور بالثقة بالنفس ويقوي مشاعر الترابط التي تلعب دورا كبيرا في تحسين حالتنا النفسية.
وبينما يشعر معظم الناس بالسعادة عند إعطاء الهدايا للآخرين، فإن ثمة عوامل شخصية، لا سيما الذكاء الانفعالي، تسهم في تحديد حجم المبالغ التي ننفقها على الهدايا. فقد أشارت دراسات أجراها راجاني بيلاي، الأستاذ المساعد في التسويق بجامعة نورث داكوتا، وسوكوماراكوروب كريشناكومار، الأستاذ المساعد بمعهد كيك للدراسات العليا في كاليفورنيا، إلى أن مستويات الذكاء العاطفي ترتبط ارتباطا وثيقا بحجم المبالغ التي ينفقها الناس على الهدايا، لا سيما الهدايا للأشخاص المقربين، وكذلك بمستوى السعادة التي يشعر بها الناس عند شراء الهدايا.
ويرجع بيلاي ذلك إلى أن الأشخاص الذين يملكون مستويات أعلى من الذكاء العاطفي يمكنهم توقع تأثير إعطاء الهدية على نفوسهم ونفوس المتلقين، ومدى أهمية الهدايا في تحسين علاقاتهم بالآخرين. ولهذا لا يمانعون شراء الهدايا الأعلى سعرا للآخرين. وعندما تقدم هدايا للأشخاص الذين تربطك بهم علاقات وثيقة، تتاح لك الفرصة لفهم مشاعرهم.
ويقول كريشناكومار إن مشاعر السعادة تبدأ من عملية التسوق، عندما يفكر الناس في مشاعر الآخرين عند تلقي الهدية، مثل توقع السعادة. لكن شراء الهدايا قد ينطوي على مشاعر سلبية أيضا، مثل القلق عندما يظل المرء مترددا في اختيار الهدية المناسبة التي تروق للمتلقي، وهو ما قد يمنعه من الشراء. ولهذا قد ننفق بسخاء على الهدايا التي نشتريها للأشخاص الذين نعرفهم معرفة وثيقة.
وبخلاف العوامل النفسية والحيوية، وقف العلماء على عوامل أخرى تدفعنا لشراء الهدايا للآخرين، مثل الإيثار لإسعاد الآخرين، والاعتداد بالنفس، وكذلك إشعار الآخرين بأنهم مدينون لنا.
ويقول يوهسوك أوهتسوبو، أستاذ علم النفس بجامعة كوب باليابان، إن الهدايا قد تكون رمزا لتجديد الالتزام العاطفي بين الزوجين. وتناول أوهتسوبو في بحث جديد مدى تأثير المحيط الاجتماعي على سلوكيات تبادل الهدايا بين شركاء الحياة.
ولاحظ أنه كلما زادت دائرة معارف شركاء الحياة زادت المبالغ التي ينفقونها على الهدايا لشركاء حياتهم للدلالة على التزامهم نحوهم. واللافت أن الهدايا التي يقدمها المتزوجون لبعضهم في الولايات المتحدة، التي تشهد ارتفاعا في معدلات الطلاق، كانت أقل منها في اليابان، حيث معدلات الطلاق منخفضة. ويقول أوهتسوبو إن الهدايا التي نقدمها لشركاء حياتنا لنثبت التزامنا نحوهم لها أهمية كبيرة، لا سيما إذا تعددت أمامنا الإغراءات وخيارات إقامة علاقات عاطفية جديدة. فإذا أنفقت بسخاء على شريك حياة واحد لن يتبقى معك الكثير من المال لتنفقه على غيره.
ويقول بيلك إن القيمة الرمزية للهدايا تبرر السعر الذي ندفعه فيها. فقد نعمد إلى التوفير عندما نشتري أشياء لأنفسنا، إما تواضعا أو لأسباب اقتصادية. لكن الهدية في المقابل يجب أن تكون مميزة، لأننا نتوقع ردها من المتلقي. ولهذا قد لا نتردد في شراء هدايا باهظة للآخرين حتى لو كانت تفوق طاقتنا.
ويهتم المتلقي أيضا بقيمة الهدية، فقد أشارت دراسة في عام 2015 إلى أن المتلقين لم يفرحوا بالهدايا بعدما اكتشفوا أنها كانت رخيصة الثمن. ويشير بيلك أيضا إلى العادات المكلفة المصاحبة لتقديم الهدايا، مثل إنفاق مبالغ كبيرة على تغليف الهدايا لزيادة جاذبيتها في عين المتلقي، رغم أن ذلك يعد هدرا للأموال.
لكن المبالغ التي ننفقها على أصدقائنا وشركاء حياتنا لا تقارن بما ننفقه على أطفالنا. فقد أشار استطلاع للرأي أجري في عام 2017 إلى أن الآباء والأمهات كانوا يخططون في موسم عيد الميلاد لإنفاق نحو 330 دولارا على الهدايا لكل طفل، مقارنة بنحو 196 دولارا على هدايا الأشخاص المهمين في حياتهم و90 دولارا للأشقاء و57 دولارا للأصدقاء المقربين.
وفي بحث أجري عام 2011، سرد أليسون بو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة فيرجينيا، أسبابا عديدة تدفع الآباء للإفراط في الإنفاق على أبنائهم، منها الخوف من الشعور بالحرمان، وإثارة شغفهم وخيالهم الطفولي.
وأشارت أبحاث إلى أنه كلما انخفض مستوى الدخل، زاد نسبة حصة الأطفال من الراتب، لأن احتياجات الأطفال ثابتة نوعا ما، كما أن مفهوم الاحتياجات الأساسية للطفل يتسع نطاقا. ويسعى الآباء والأمهات دائما إلى تحسين مظهر الأبناء حتى لا يشعرون أنهم أقل من غيرهم أو أنهم منبوذون، وهذا يدفعهم إلى زيادة الإنفاق عليهم.
ولهذا في المرة القادمة، عندما تذهب لمتجر الألعاب، فكّر في العوامل البيولوجية والنفسية التي تدفعك للإسراف في شراء الهدايا. أو استمتع فحسب بالبهجة التي ستدخلها هديتك الباهظة إلى نفوس من تحب.
كيف تختار الهدية المناسبة لأصدقائك وأحبائك؟
بالنسبة للكثيرين في الغرب، تشكل هذه الفترة من العام، الوقت الذي يراجعون فيه قائمة الهدايا المزمع تقديمها إلى الأصدقاء والأحباء. إذ يعكف المرء على تحديد أسماء من يرغب في وضعهم على هذه القائمة، والمبلغ المالي الذي سيخصصه لذلك، والأهم طبيعة الهدايا نفسها.
وفي المملكة المتحدة، تنفق الأسرة العادية نحو 500 جنيه إسترليني على الهدايا خلال موسم العطلات، مقابل نحو 650 دولارا للأسرة الأمريكية. ولا تَخْفى فوائد منح الهدايا على أحد، فقيامك بذلك يضفي عليك السعادة، وينقل مشاعرك لمتلقي هديتك، بل ويعزز من قوة العلاقة القائمة بينكما أيضا.
لكن المشكلة تكمن في التأثير العكسي الذي يُحْدثه اختيارك لهدية غير ملائمة. وتقول إليزابيث دَن، أستاذة علم النفس بجامعة كولومبيا البريطانية في كندا، إن "اختيار الهدية الخطأ ينطوي على مخاطرة بالنسبة للعلاقات القائمة بينك وبين من منحتها له، لأن ذلك يفيد بأنه ما من أشياء مشتركة بينكما".
وقد شاركت دَن في تأليف كتاب "المال السعيد: الجانب العلمي للإنفاق ببهجة أكبر". وأظهرت الأبحاث التي أجرتها أن الهدايا غير المرغوب فيها، يمكن أن تُخلّف أحيانا آثارا سلبية، على صعيد التصور الذي يكوّنه متلقي الهدية لآفاق العلاقة في المستقبل، مع من منحه إياها.
وفي ضوء أن أيا منّا لا يرغب في أن يكون ضرر هديته أكثر من فوائدها، يجدر به أن يتيقن من أن يختار الهدية التي ستروق لمتلقيها، وهنا قد يأتي دور علم النفس.
لا تهتم فقط بالسعر
هل يتعين عليك الإنفاق ببذخ لكي تظهر مدى اهتمامك بمن سيتلقى هديتك؟ في سياق الإجابة على هذا السؤال، أظهرت الدراسات أن إنفاقك لأموال أكثر، لا يضمن لك على الدوام، شراء هدية تحظى بقبول حسن. فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنه كلما زادت قيمة الهدية زاد توقع مُعطيها بأن تلقى تقدير المتلقي. لكن بينما ظن الطرف الأول - بحسب الدراسة - أن إنفاقه أموالا أكثر لشراء هديته يعبر عن اهتمام أكبر بالمتلقي، لم يربط الأخير بين السعر ومستوى التقدير والاهتمام.
ويقول جيف غالاك، الأستاذ المساعد للتسويق في إحدى كليات إدارة الأعمال بالولايات المتحدة والذي يدرس سلوك المستهلك وكيفية اتخاذه لقراراته: "يبدو بديهيا للغاية أن الإنفاق بشكل أكبر يمنح الفرصة لشراء هدية أفضل. لكن تبين أنه لا يوجد ما يدل على أن المتلقين يتأثرون بتكلفة الهدية وهم يحددون مقدار استمتاعهم بها".
ويقر غالاك بأنك قد تكون ملزما - بسبب التقاليد السائدة أو التوقعات التي يعقدها الآخرون عليك - بألا يقل سعر هديتك عن حد معين. ويعني ذلك أن المهم هو بلوغ هذا المستوى من الإنفاق، دون أن يفرق كثيرا بعد ذلك ما إذا كان الهدية قد كلفتك ما يتجاوز هذا الحد بكثير أم لا. فالهدية نفسها هي التي تهم في هذه الحالة أكثر من أي شيء آخر.
فكر بشكل بعيد المدى
يقول غالاك إن سر تقديم هدية ملائمة، يكمن في أن تفكر وأنت تختارها في ما يتجاوز مجرد اللحظة العابرة التي تسلمها فيها إلى متلقيها.
ويضيف: "يحاول المرء حينما يعطي هدية، أن يجعل لحظة تسليمها على أعلى درجة من الكمال، وأن يرى الابتسامة على وجه متلقيها فور حصوله عليها. لكن المتلقي يهتم بمدى القيمة التي سيستمدها من هذه الهدية على مدى فترة زمنية أطول".
بعبارة أخرى، قد تقل احتمالات أن تهدي صديقك أو قريبك اشتراكا في خدمة لبث الأفلام، لأنه لن يكون مبهجا بالنسبة لك أن تراه وهو يتلقى هذا النوع من الهدايا، رغم أن هدية مثل هذه تحديدا، قد تروق له لأنه سيستمتع بها لوقت طويل نسبيا.
لا تركز على الهدايا أو الخصال الفريدة
ينصح غالاك أيضا بألا تشغل نفسك على نحو مفرط بأن تكون هديتك هي الأكثر تميزا وتفردا. فأحيانا تكون الهدية التي يرغب فيها شخص ما، هي نفسها التي يريدها الكثير من الأشخاص الآخرين، أو يمتلكونها بالفعل.
وأظهرت إحدى الدراسات أننا نميل - ونحن نشتري هدية ما - إلى التركيز على شخصية مُتلقيها والخصال التي تميزه عن أقرانه. لكن هذا الإفراط في التركيز على السمات التي تميز من يتلقون هدايانا، تجعلنا نتجاهل جوانب أخرى تتعلق برغباتهم واحتياجاتهم، ما قد يؤدي إلى أن نهديهم أشياء أقل أهمية بالنسبة لهم.
من جهة أخرى، نميل ونحن نختار هدايا لأشخاص مختلفين، إلى جعلها مختلفة ومتنوعة بدورها، حتى وإن كانوا جميعا سيسعدون - ربما - إذا حصلوا على الهدية نفسها. فضلا عن أنهم قد لا يقارنون - على الإطلاق - بين الهدايا التي تلقوها منّا. حسب بي بي سي عربي
اضافةتعليق
التعليقات