لاحظت بعد إن احتككت بالمجتمع الأفتراضي وعالم (الفيس بوك) الذي عرفني على مثقفين بشتى الألوان الأدبية والأبداعية (من كتاب وشعراء ورسامين، تشكيليين، مصممين، باحثين، مدونين إلكترونيين، متدينين وفقهاء، هواة كتب) من شتى مناطق العراق ومن كل دول الوطن العربي وحتى من باقي دول العالم بمختلف الأعمار والتوجهات والعقائد، أعتز بهم كثيرا وأتعلم منهم، ولبعضهم علي الفضل الكبير.
وجدت ان كل يخطب من على منبره الألكتروني (صفحته الشخصية على موقع الفيس بوك) بصفته متحدث له مؤيديه ممن يشاطروه آراءه وتوجهاته ومن ضمنهم محدثتكم، وهذا حق مشروع لأي شخص.
ولكن مما شد انتباهي وما أخصه وأعنيه في مقالتي هذه هم (بعض) المثقفين من الكتاب والكاتبات، الذين أصبحوا يكتبون اي شيء لمجرد الكتابة فقط! ولا يعون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا يدركون أنهم التيار المؤثر الذي يقود الفكر الشبابي الجديد.
فكلنا نعلم أغلب مستخدمي مواقع التواصل الأجتماعي هم من الفئة العمرية الصغيرة (المراهقين) والتي هي مرحلة حرجة وقلقة في عمر الأنسان وتمثل نقطة أنعطاف وأستكشاف لكيانه وتوجهاته الفكرية.
وبصراحة أراني أعجب من (بعض) هؤلاء الكتاب لما تحمله نصوصهم من أفكار غير ناضجة ودلالات مهجنة وآراء سطحية! تخلوا من تشخيص موضوعي عن سبب المشاكل المفصلية التي تمس الحياة المجتمعية وتقدمها بشكل فعلي في وقتنا الحاضر وتخلوا من فرضيات ربما من شأنها أن تسير بتلك المشاكل نحو سبل الحلول الموضعية!.
باتت نصوصهم متشابهة معادة منسوخة لا تتماشى مع التقدم السريع الجاد الذي طرأ على العالم في مختلف جوانب الحياة. يستهجنون ماهو ثابت ومدعم بأسس صحيحة فطرية سليمة ترتبط ببيئة وثقافة منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، بحجة وذريعة (التطور)! و(التقدم)! و(الثقافة)! (الحرية)! و(الإنفتاح)!.
وبحجة نبذ العادات والتقاليد وإن كانت صحيحة ظنا منهم أن ذلك الشيء الوحيد الذي شأنه أن يرفع من قيمة المرء ويعزز منابع القوة في شخصيته!! أو قد يرجح الأيجاب في مقياس الوعي الأجتماعي!.
نعم أنا أتوافق مع الرأي الذي يقول أن هناك بعض العادات والتقاليد هي بالأصل عاهات وقيود قبلية منبوذة موضوعة من وحي تهيئات البشر المحدود والتي تنبع من رؤيا قاصرة من ناحية الديانة والثقافة العامة.
تلك العادات المريضة التي حرر الله الأنسان منها بشرائع سماوية مقدسة، واديان معتدلة. ثم بعد ذلك ومن جديد ابتعد الناس مرة اخرى عن الدين القويم ومالوا إلى غريزة العاهات المعوقة!.
وأنا أحترم كل أديان السماء ولا أفرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وصابئي ولا حتى كافر، لأني أؤمن أن هذه الدنيا فانية ولكل منا رجعة إلى رب السماء فيتكفل تعالى الناس كل حسب سعيه الدنيوي، وأعتقد وأؤمن بأن (الدين معاملة) كما قال وأوصى أشرف الخلق وخاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
وأيضا أنا لست بصدد أن أنتقد سلوك شخص يعود مردود سلوكه على ذاته فقط، ولا يهمني مايحل لنفسه وما يحرمه عليها ومايأكل وما يلبس ومايعتقد طالما أنه يمارس حريته المشروعة ضمن إطارها ولا يمس اطار حريتي ولا يؤذيني.
لكن حقا مايهمني هو ذاك الذي يروج لثقافة جديدة ويشرع قوانين تميل لها ذاته ويريد تطبيقها على الكل ويدعو لها على أنها تقدم وأنفتاح وتحضر، هاتفا بشعارات صفراء دخيلة على مجتمعاتنا الشرقية، مشرعا مقياسا جديدا للثقافة، كثقافة الموضة العارية! وأحمر الشفاه والفستان القصير والجينز! وأحتساء القهوة ودلالتها الثقافية!! والجرأة المفرطة في أستخدام الكلمات المحظورة التي تخدش الحياء على مسمع ومرأى من العامة.
والمبالغة والغلو في تصوير أفكار خيالية مبعثرة! لاواقع لها إلا أماني! وإطلاق العنان للذات بحجة الأختلاف والتميز وإثبات الشخصية! فالعيب كل العيب على ثقافة باتت شكليات وتمثيل وتبرج لا مساس لها بالروح والوجدان!!.
ولعل أكبر كذبة في ثقافة جيل اليوم هي ثقافة الأستقتال والأستباق (كلاميا فقط) للدفاع عن المرأة وحقوقها بكل رعونة وطيش وعشوائية متناسين (بعض) الكتاب والكاتبات أن لا مدافع ولا كافل للمرأة وحقوقها سوى الدين الاسلامي الذي عدل بينها وبين الجنس الآخر (الرجل) وحفظ لها كيانها بالحشمة والوقار الذي يرونه اليوم شكل من أشكال القيود!.
فتراهم (كتاب وكاتبات) يتصارخون في كتاباتهم (تحرري، أنثري خصلات شعرك الملونة!! ضعي أحمر شفاه صارخ وغيظيهم! أرتدي كذا فستان وكذا لون يليق بك! ثوري! تمردي!!) يحشون رؤوس بعض المراهقين بالتفاهات والسذاجة والأكاذيب وكأن الثقافة تقاس بالعري والبهرجة والثرثرة لا بالعفة وصون النفس أو بالأرث اللغوي أو بالعلم والمعرفة!.
والمصيبة إن ذكرت المسائل الدينية عندهم، هبوا عليك، منتقصين مغتنمين الفرصة للنيل منك ومن فكرك الذي يصنفوه على أنه فكر رجعي همجي!.
يرشقونك بشعارات (التحرر) المغلوطة الفهم في عقولهم، يتكلمون لا عن علم ولا عن دراية بعمق معنى نصوص الدين وشرائعه المعتدلة!.
وأول مايذكروه لك (اي دين هذا الي يقول عن المرأة عورة ويقول ناقصة عقل ويعطيها نصف حظ الرجل من الميراث!! ويفرض عليها الجلوس في المنزل وعدم الخروج منه!) ويهرجون عبثا بشعارات لا صحة لأصلها (تبا لمن أغتصب منك حقوقك! تبا لمن قال عنك عورة! تبا وتبا....الخ!!) والحقيقة هم جهلة يأخذون الدين بألفاظ نصوصه لا بتفسير معناه أو مدلوله الفقهي.
فأصل تفسير ومعنى ماوصفت به المرأة بأنها (عورة، ناقصة عقل، قليلة حظ) نقله السيد الرضي في كتاب نهج البلاغة عن أمير المؤمنين الأمام علي (عليه السلام) من خطبته في مدينة البصرة بعد واقعة الجمل، حيث قال (عليه السلام):
(معاشر الناس إن النساء نواقص الإيمان نواقص الحظوظ نواقص العقول فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن وأما نقصان عقولهن فشهادة إمرأتين كشهادة الرجل الواحد وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الأنصاف من مواريث الرجال، فأتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، لاتطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر).
وهذه الخطبة تدل على امور تكوينية توجد في المرأة تتفاوت بها عن الرجل وليس فيها ذمّ للمرأة بما هي إمرأة وإنما لمجرد بيان الفروق بين طبيعة المرأة والرجل، اذ من الطبيعي أن يقل إيمان الشخص بترك الصلاة والصوم ولو ليوم واحد بالنسبة لمن لم يترکها، ومن الطبيعي أن شهادة الرجل تعادل شهادة أمرأتين يدل بالدليل الإني (کشف المعلول عن العلة) عن نقصان في تفکير المرأة وتعقلها بالنسبة للرجل في هذا المجال وذلك لأن المرأة عاطفية وتتبع الاحساس والغريزة أكثر من الرجل فيغلب ذلك على عقلها وقال تعالى (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين)، وبما أن نفقة المرأة على الرجل غالباً وأن المسؤول عن المعيشة هو الرجل فمن الطبيعي أن يلاحظ الشرع ذلك في تقسيم الإرث وتعيين الدية فيجعل نصيب الرجل ضعفي نصيب المرأة فتكون المرأة ناقصة من حيث الحظ.
ومعلوم أن كل خطابات الأمام علي (عليه السلام) هي ضمن أطر وحي القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة.
وايضا قد صان الاسلام المرأة بالحجاب العفيف ورسخ ثقافة ستر الجسد للحفاظ على كيان المرأة من الانتقاص ولتجنب الوقوع بين ضواري بنو آدم وهفواتهم الغرائزية الغالبة فجعله لها كرامة ووسام يرفع من قدرها وأحترامها بين المجتمع ويبقى ذلك قرار شخصي ينبع من ايمان وتقبل للحجاب في ذات المرأة نفسها (لايحاسب عليه غيرها)، كما أنه لا يوجد نص صريح منع عمل المرأة وحظر عليها الخروج من المنزل، على العكس لقد ساوى الأسلام بين الرجل والمرأة وفي مختلف الأصعدة ونواحي الحياة.
كل له وعليه حقوق وواجبات بالتناوب.
حقا لا أعرف اية ثقافة يرمي إليها اليوم أبناء جيلي (بعضهم) الذي أصبح عندهم الوقار والحشمة عبىء وهم يتمنون زواله وأحكام صارمة ينتظرون التحرر منها، منصاعين الى الغرب وبهرجه المفتعل الطاغي والذي ساعد في ذلك الأنتشار الواسع للمواقع الألكترونية وشبكات الانترنت وسياسة العولمة التي محت ملامح التغاير والاختلاف بين الشعوب.
واليوم بت متأكدة لو أن لدى دول الغرب ثقافة الحجاب والحشمة لوجدت معظم شبابنا يتهافتون لزرع هذه الثقافة في مجتمعنا كما هو حالهم اليوم مسحورون بهرج وصخب وعري شوارع الغرب، لم يأخذوا عنه غير البذاءة والانحدار الاخلاقي!.
فيا كتابنا الأفاضل أين ما كنتم إما أن تلتزموا بأصول الكتابة دون أن تدعوا وتسوقوا إعلاميا تحت راية الثقافة لأعراف مهجنة مرفوضة لا تتماشى مع ثقافتنا وبيئتنا أو لاتكتبوا لطفا.
فليس من الصحيح أن تلاحقوا العالم لاهثين لمجرد التقليد بعيون عمياء وبصيرة مغلقة متهاونين غير معتزين بهويتكم وانتمائكم وارثكم القومي والحضاري!.
وليس من الصحيح أن تملي على القارئ خلجاتك وظنونك وأفكارك المستحدثة فقط لأنها مغايرة دون ان تحكم ضميرك ودون أن تأبه لما سيكون لوقع ذلك من أثر على القارئ المتلقي بشكل خاص وعلى آيدلوجية المجتمع بشكل عام.
اضافةتعليق
التعليقات