الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، سبط رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)، هو أبرز الشخصيات في تاريخ الإسلام، ورمز للتضحية والفداء في سبيل الحق والعدل. وُلد في بيت النبوة، ونشأ في كنف الرسول الكريم، الذي أحبه وأشاد بمنزلته ومقامه. كان الإمام الحسين (عليه السلام) مثالًا للتقوى والورع، وعاش حياة زاخرة بالعلم والعمل الصالح.
لقد ورد في حياة الإمام الحسين (عليه السلام) الكثير من المآثر والمكارم الأخلاقية والمواقف التي يجب أن تأخذ منها الإنسانية دروسًا وعِبرًا تستضيء بها عبر الزمن، وتأخذ شعلة ضياء من نور الإمام الحسين (عليه السلام) في شهرنا هذا، شهر المحرم، شهر تجديد الولاء لأبي الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
وقد عُرفت الأخلاق بتعريفات كثيرة، وكلها ترجع إلى معنى واحد جامع، وهو أن الأخلاق: ((ما يحصل بها الكمال من الأفعال الحميدة واجتناب القبيحة)).
وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم واصفًا نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) في سورة القلم:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (الآية 4).
وهذه المرتبة تُعد من أعلى المراتب التي يصل لها نبي من الأنبياء، وقد كان إمامُنا الحسين وأخوه الحسن (عليهما السلام) أشبهَ الخلق بجدهما رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) خَلقًا وخُلقًا ومنطقًا، وقد كانا قد اقتسما الشبه فيما بينهما كما جاء في كتب التاريخ، وكما ورد عن أبيهما الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصفه لهما:
((من سرَّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين عنقه وثغره، فلينظر إلى الحسن، ومن سرَّه أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين عنقه إلى كعبه خلقًا ولونًا، فلينظر إلى الحسين)).
ولقد بدت على وجه الإمام الحسين (عليه السلام) أسارير الإمامة، فكان من أشرق الناس وجهًا، وكان كما يقول المؤرخون الذين التقوه في ذلك الزمان بوصفهم له: ((كان أبيض اللون، فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يُهتدى إليه لبياض حُسنه ونحره)).
ويقول آخر ممن عاصروا زمن جده محمد (صلى الله عليه وآله): ((كان له جمال عظيم، ونور يتلألأ في جبهته وخده، يضيء حوله في الليلة الظلماء، وكان أشبه الناس برسول الله محمد (صلى الله عليه وآله)).
وكما كان الإمام الحسين (عليه السلام) شبيه جده محمد (صلى الله عليه وآله) في الأخلاق الفاضلة، كذلك كان في الكرم، والجود، والحِلم، والعفو، والتسامح، وغيرها من الصفات العظيمة والكثيرة التي لا يتسع لنا المقام لذكرها كلها، فنختصر على بعض صفاته (عليه السلام):
1- الحلم والعفو:
فقد ورد في حديث عن المحدث القمي (رحمه الله) أنه قال: قال عصام بن المصطلق: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي (عليهما السلام)، فأعجبني سَمْته ورداؤه، وأثار من الحسد ما كنت أخفيه في صدري لأبيه من البغض، فقلت له: أنت ابن أبي تراب؟
فقال (عليه السلام): ((نعم)).
فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليّ نظرة عاطف رؤوف، ثم قال:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف 199)،
﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿200﴾ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ (الأعراف 201).
ثم قال (عليه السلام): ((أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتَنا لأعناك، ولو استرفتنا لرفدناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك)).
قال عصام: فتوسم مني الندم على ما فرّط مني، فقال (عليه السلام):
((لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين. أمن أهل الشام أنت؟))
قلت: نعم.
فقال (عليه السلام): ((انبسط إلينا في حوائجك، وما يعرض لك، تجدني عند أفضل ظنك إن شاء الله تعالى)).
قال عصام: فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ووددت لو ساخت بي، ثم سألت منه لواذًا، وما على الأرض أحب إليّ منه ومن أبيه.
2- التواضع:
ومن الصفات التي جُبل عليها الإمام الحسين (عليه السلام) هي التواضع، فكان (عليه السلام) يجالس الفقراء والمحتاجين، وينظر في حوائجهم. وكان (عليه السلام) قد ورث هذه الصفة الرفيعة عن جده رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله). وقد لاحظ هذه الصفة المباركة كثير من المؤرخين، ونقلوا عنه (عليه السلام) أنه كان يُخالط الفقراء والمساكين ويجالسهم، ويفيض عليهم بِرَّه وإحسانه.
وقد مر ذات يوم على فقراء يأكلون، وكانوا قد كسروا من أموال الصدقة، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال: ((لولا أنه صدقة لأكلتُ معكم)). ثم دعاهم إلى منزله، فأطعمهم وكساهم، وأمر لهم بدارٍ.
3- الصلابة في الحق:
أما من الصفات العميقة لسيد الشهداء (عليه السلام) فهي الصلابة والثبات في إقامة كلمة الحق، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ورفعها عاليًا.
وهل كان خروجه (عليه السلام) من مدينة جدّه محمد (صلى الله عليه وآله) إلى العراق إلا لإعلاء كلمة الحق؟ وكما قال في مقولته الشهيرة:
((إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، إنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي)).
وأيضًا من كلماته الرنانة والصدّاحة التي بقيت ولا زالت وستبقى عالقة في أذهان شيعته ومحبّيه والعالم أجمع، هي:
((ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه؟)).
وقد جاءت هذه الكلمة تأكيدًا على استياء الإمام الحسين (عليه السلام) من الوضع القائم في عصره، حيث يرى أن الحق لا يُطبّق ولا يُعمل به، وأن الباطل ينتشر ولا يجد من يوقفه أو يمنعه.
وفي كلمته هذه تحفيز للمؤمن على التمسك بالحق والعمل به، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة الصعاب والتضحية في سبيل ذلك. ولقد أصبحت هذه المقولة من أبرز الشعارات التي يرددها المسلمون في ثوراتهم ضد الظلم والفساد، وتُعتبر من إرث الإمام الحسين (عليه السلام).
واختتم مقولتي بالقول:
نحن محبّو الحسين (عليه السلام)، مهما قلنا عنه، ومهما كتبنا، فلن نتجاوز ما قاله رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله):
((مكتوب على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)).
فلقد قدّم الإمام الحسين (عليه السلام) أروع صور التضحية والفداء من أجل الحق، ليُخلَّد في التاريخ رمزًا للعدل والإصلاح، وإن تضحياته العظيمة تذكرنا بأهمية الدفاع عن المظلومين، ومواجهة الظالمين، وتُلهمنا دروسًا في الصبر والثبات على المبادئ والقيم.
وقد كان من أدعيته (عليه السلام) المأثورة التي ورثها عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
((اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عن من سواك، فكشفته وفرّجته، فأنت وليّ كل نعمة، ومنتهى كل رغبة)).
والسلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله، ما بقيتُ وبقي الليل والنهار، ورحمة الله وبركاته.
﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
اضافةتعليق
التعليقات