من المعروف إنّ كلمة الغزو تدلّ على الطلب والقصد والهجوم على الأقوام والقبائل والأمم الأخرى، وقد كانت تُطلق على الهجوم العسكري والحربي واستخدام القوّة العسكرية والبدنية في إخضاع الشعوب والسيطرة عليهم؛ ولكنّ مدلول هذه الكلمة قد توسّع فأصبح يشمل الوسائل العسكرية وغير العسكرية التي تستخدمها الدول المستعمِرة في احتلال الدول الأخرى، ومن هذه الوسائل وسائل فكرية تُمهّد للغزو العسكري أو السياسي من خلال التمكّن من عقول الشعوب وحشوها بأفكار تخدم المستعمِر وتُسهّل عملية الغزو العسكري باستخدام الغزو الفكري كما يمكن أن يقتصر المستعمِر على الغزو الفكري كأسلوب من أساليب إبقاء الشعوب والدول تحت هيمنته الفكرية والثقافية.
فالجانب الاقتصادي وزيادة الرقعة الجغرافية هدف من أهداف الاستعمار ولكنّه قد يقتصر على السيطرة الفكرية فلا يُفعّل من أشكال الغزو إلّا الغزو الفكري، فيعمل الغزو الفكري على سلْخ الشعوب عن تراثها وحضارتها ويُولّد لديها شعورًا دائمًا بالعجز والهزيمة النفسية ويُعزّز فكرة تفوّق وتميُّز المستعمِر في نفوس أفراد المجتمع. كما تكمن خطورة الغزو الفكري في أنّه غير واضح المعالم كالغزو العسكري الذي يكون عبر قدوم قوّات عسكرية إلى البلد المراد استعماره، على عكس الغزو الفكري الذي ينهش في العقول ويُغيّر الأفكار والعقائد بصمت ورويّة وبطُرُقٍ خفيّة من الصعب التنبّه لها بسرعة، كما أنّ الشعوب تبذل الغالي والنفيس في مواجهة الغزو العسكري وتقدّم الأرواح في سبيل الحفاظ على الحريّة والكرامة، ولكنّ الغزو الفكري يسلب الحريّة ويطمس الهوية دون أن يدري الإنسان، والسبب في ذلك يعود إلى اختلاف الطُرُق المتبّعة في الغزو الفكري عنها في الغزو العسكري .
وأن هذا الغزو يركز على عقيدة الفرد وأيضًا أفكاره وأخلاقه، وبذلك من الممكن أن يضيع أمة بأسرها وذلك نتيجة لانتقال عدوى هذا الغزو بطريقة واسعة. ولأنهم يعلمون أن الشباب هم جوهرة الأمة حيث أنهم هو العقول التي ستنير المستقبل وهم من يرسمون خططها المستقبلية. فقد وجدوا أنه يجب الغزو على عقول الشباب لكي يتم من خلاله الغزو على أمة بأكملها، ويجب فصل هذه الشباب عن جذورهم، حتى تصبح الأمة التي تريد غزوهم هي قبلتهم.
والغزو الفكري بلا شك أخطر من الغزو العسكري؛ لأكثر من سبب:
أولا: لأنه موجه إلى الفكر لا إلى الجسد، فالفكر هو الذي يقود الجسد، والأمة منهزمة فكرياً وثقافيا سرعان ما تنهزم في كل الميادين الأخرى، وبالتالي تخضع وتستكين بلا حروب.
ثانيا: الغزو الفكري بخلاف العسكري غزوا خفيا مثل الجرثومة’ الفيروس’ يتغلغل في مجتمع بلا وعي منه، بل ربما رأى الكثيرون في بعض آثار ذلك الغزو علامة صحة ورشاد، وبالتالي يكونون هم أنفسهم إحدى ضحايا الغزو الفكري.
فهو داء خطير يفتك بالأمم، ويذهب شخصيتها، ويزيل معاني الأصالة والقوة فيها أن الغزو الفكري الذي يقوم على مدى السنين بعملية غسل للأدمغة، وإعادة صياغة القيم في ثقافة المجتمع، هذا الغزو يكون قناعة لدى شريحة كبيرة من الناس تعارض الكثير من القيم الدينية التي تحافظ على استقرار المعتقد، بل قد تعارض تلك القناعة بعض الثوابت والمسلمات؛ كقضية الولاء والبراء، أو العلاقة مع الآخر، كما هو المصطلح الجديد، أو قضية حجاب المرأة وعفافها، أو قضية النهي عن المنكر، أو قضية الجهاد، أو ما شابهها من القضايا الثابتة التي بعد أن كانت لعصور مديدة مصدر فخر، وعزة لجماهير الأمة قاطبة، يرفع كل مسلم بها رأسه، أصبحت في ثقافة الأمة الجديدة اليوم قابلة للنقض والرفض، حتى من أقل الناس علما، وهو بلا شك أثر بليغ من آثار الغزو الفكري حيث يلجأ الغزاة إلى التعمّق في أمة ما يستهدفونها، ودراسة تاريخهم وحاضرهم واكتشاف نقاط الضعف واستغلالها ومواطن القوة والعمل على إضعافها وزعزعتها بالاعتماد على وسائل غير مباشرة في ذلك، بتلبية شهوات الإنسان، واستباحة كل ما هو ممنوع ومحرّم، وإقناعه بالتدريج بالتخلّي عن أخلاقه وعاداته وتقاليده تحت بند الحضارة والحرية الشخصية. تمجيد اللغات اللاتينية وإضعاف اللغة العربية، الرغبة بإرجاع الشعوب المسلمة إلى زمن الجاهلية، إجبار غير مباشر لدور التعليم على وضع كتب المستشرقين بيدي الطلبة، القضاء على تاريخ الإسلام وعظماءها، تهميش جهود العلماء المسلمين العرب.
والـغـزو الـفـكري يـأخـذ أسـاليـب عــدة أهـمهـا:
1) إشـغـال فــكر الـشـباب بـأمـور تـافهـة كـاتـباع أشـيـاء لا تـفـيد ولا تـنـفـع.. مـثـل: عـالم المـوضـة والقـصـات والسـياحـة الخـارجيـة..
2) تـغـليف الحـقـائـق بـحـقائـق مـزيـفة.. مـخـالفـة للحـقـيقـة الأصـليـة فـي مـحـاولـة لتـحـريـف الأصـل بـمـا يـوافـق أهـدافـهـم وخـططهـم.. خـصـوصـاً فـي الأمـور المـتشـابـهـة الــتي تـدعـو إلـى الـشـك..
3) تسـميـم أفـكـار الـشـباب عـن طـريـق بـث آراء ثـقـافـية تـحـمل مـعـانٍ رنـانـة.. وتـغـير فـكـر الـشـبـاب إلـى فـكـر يـهـودي مـن خـلال استـخـدام المـوقـف والـكلـمة المـؤثـرة..
4) تشـجـيع الأخـلاق الـسـيئة بمـخـتلـف وسـائـلهـا والحـث عـليـها بـطـرق مـبـاشـرة وغـير مبـاشـرة.. واعـتبارهـا نـوعـاً مـن أنـواع الـذكـاء العـبقـري..
5) الـفهـم الـخـاطـئ للحـريـة ومـعـنـاهـا وعـدم الـتفـريـق بـين الـحـريـة والـفـوضـى والـفـضـيلة والـرذيـلة والالتـزام والانـحـلال..
مسارات الغزو الفكري للشباب:-
سنوضح لكم مسارات الغزو الفكري للشباب، حيث أن هذا الغزو خطط له من خلال مسارين، وهما كالآتي:-
المسار المادي: وتعنى رصد الملايين من الدولارات لكي يتم رصد متابعة وتخطيط الدراسات التي قد أجلت لهم جميع حقائق أمتنا، وبصفة خاصة وضع الشباب الفكري والاجتماعي، وطالما الأهداف مرصودة والخطة مدروسة فهم لا يرون أي غضاضة في إنفاق الأموال.
المسار التربوي: وهو ما يقوم بتدبيره خبراء في علم النفس وأيضًا علم الاجتماع، ومن هم أصحاب الحيل العقلية وإشباع الغرائز النفسية والخدع الفكرية، فمن هنا يقومون بمخاطبة هذه العقول بكل ما يسعدها وبكل ما يحبونه ويقدمون الكثير من أطباق النزوات والشهوات.
كيفية مواجهة الغزو الفكري للشباب :-
أما عن كيفية الغزو الفكري للشباب فيتم عن طريق ما يلي:-
1- يجب على العلماء المسلمين من أن يجتمعوا وينشئون مؤسسات أدبية وثقافية وفكرية لتوعية الشباب.
2- يجب الاهتمام بتربية عقول الشباب تربية صحيحة وتقريبهم من ديننا وتشجيعهم على التفكير العميق وإتباع العقل.
3- يجب بث روح حب الوطن بداخلهم وبث روح الإسلام وعدم التأثر بالأفكار الغير إسلامية.
4- توفير فرص عمل للشباب تناسبهم وخلق لهم الأجواء التي يستطيعون من خلالها أن يعيشون حياة طيبة.
5- يجب أن يشجع كل ما هو مبتكر ومخترع حتى لا ينساق وراء التشجيع التي يمكن يلقاها من الخارج.
6- يجب توفير لهم الأجواء المناسبة والظروف المناسبة وجميع ما يحتاجه الشباب.
7- يجب الحث على هذه المبادئ في المدارس والجامعات.
8- يجب دعم الأمن الفكري لدى الشباب.
9- معالجة جميع نقاط الضعف التي يستغلها الآخرون لمصلحتهم.
10- يجب أن يتم تعزيز الأفكار المرفوضة مجتمعيا وإسلاميا.
11- صقل شخصية الشباب وتربيتهم تربية دينية.
12- يجب تعزيز دور المناهج على دعم الأمن الفكري وتحفيزه.
13-على التربية السليمة أيضًا عامل هام حيث أنها تمكن الشباب من التمسك بدينهم وعدم الانسياق وراء أي أفكار متنافية مع ديننا الإسلامي، لذا فيجب على كل أب وأم التوعية الصحيحة لأبنائهم.
اضافةتعليق
التعليقات