بين رائحة الطعام الشهي وأصوات الخدام التي تتعالى بجملة (هلا بزوار أبو علي)، تسقط الكثير من الفروقات والجنسيات والألوان، فالخيمة التي يجتمع فيها الناس على حد سواء هي خيمة إمام الثائرين الحسين (عليه السلام)..
فنشاهد في هذه الأيام عظمة العطاء المادي والمعنوي من الناس بصورة غير مشهودة في العالم.
وأنت تسير إلى كعبة العشق تشاهد المواكب كيف ترحب بالزائرين وتطهو لهم ما لذ وطاب، وكيف أصحاب البيوت يتسابقون فيما بينهم لإستقبال الزائرين وخدمتهم على أتم وجه.
ناهيك عن الأخلاقيات العالية التي يتمتع بها الناس وهم ينسبون لأنفسهم صفة (خادم الحسين) بكل فخر وعز ويبتعدون عن المآثم ويغضون الأبصار عن كلما حرمه الله.
لكن ماذا سيحصل بعد انتهاء هذه الأيام؟ هل سيخمد دخان العطاء الصاعد من أصحاب المواكب وتكف عن اطعام الفقراء بمجرد إنتهاء الأربعين وعودة الزائرين؟، أم ستبقى النار مشتعلة تحت القدور تطهوا الطعام للفقراء والمحتاجين الذين لا أحد يطرق أبوابهم على مدار السنة؟
وماذا عن تلك الأرواح السماوية التي قصدت الحسين ماشية على الأقدام تردد بين خلجاتها (لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدتي يا حسين) فطهر الحسين (عليه السلام) أرواحهم المليئة بوحل الآثام، ودنس المغريات بمجرد دخولهم إلى الحرم المبارك... هل ستحافظ على طهارتها أم ستعود وتنجرف إلى مغريات الدنيا وتضيع في دهاليزها المظلمة بمجرد العودة والإنشغال بتفاهات الحياة؟
وماذا عن ذلك الشاب الذي رأى رجلا كبيرا في السن يأن بسبب ألم في رجله فأخذه إلى بيته ودلك أقدامه وتعامل معه بإحترام كبير هل يا ترى سيبقى متحليا بهذه الأخلاقيات العالية عندما تنتهي مسيرة الأربعين؟ أم سينسى احترامه الكبير وسيتعامل بخشونة لو شاهد رجلا عجوزا يحاول أن يتخطاه في الشارع العام وهو يسوق سيارته ونسي بأنه ربما يكون نفس الشخص الذي دلك أقدامه قبل أيام؟
إن فكرة الأربعين هي فكرة التغيير والتعليم، هي فكرة زرع المبادئ الحسينية ونزع الغل والحقد تجاه كل المسميات التي تصنع الإختلاف والتفرقة بين الناس في العالم، وتعليم القيم والدروس من شخصياتهم الفذة وتطبيقها على أرض الواقع، إذاً إن الإمام الحسين هو مشروع صناعة الإنسان الصالح الثوري الذي يتحلى بالصفات الحسينية في أي مكان وزمان يتواجد فيه سواء في الشارع أو الجامع أو المدرسة أو الكلية أو السوق أو أي مكان خر... فرحلة الأربعين هي رحلة التطهير والتغيير التي تترك أثرا بالغا وإيجابيا في نفس الإنسان على المدى البعيد، فمادام الظلم موجود في العالم ومادامت صحون الفقراء فارغة، ومادام الباطل يمد جذوره بيننا، فإن العطاء المادي والمعنوي والأخلاقي والروح الثورية يجب أن لا تتوقف بمجرد انتهاء الأربعين إذ إن الحسين ليس محددا بوقت أو زمن، وتحديد هذا العطاء بفترة معينة هو ظلم للقضية الحسينية وللمبادئ التي تركها لنا، والتي نحاول أن نستلهما من هذه المسيرة العظيمة.
اضافةتعليق
التعليقات