لم تتوقف الرسالة المحمدية بانتقال النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى، بل امتدت في وعي الأمة من خلال استمرارية الهداية، وحفظ الأصول التي أُرسيَت في القرآن والسنة. ومن حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على امتداد الرسالة إلى آخر الزمان والحفاظ عليها من الانحرافات أرسى قاعدة رصينة تحفظ أسرار النبوة وتحافظ عليها، وقد كان موقع أحفاد النبي محورًا أساسيًا في هذا الامتداد، ليس بوصفهم امتدادًا نسبيًا فحسب، بل كرموز للتهيئة والتربية على خط الرسالة.
لقد تجسدت العلاقة بين النبوة والإمامة في فكرة أن الرسالة تحتاج إلى حُماةٍ ومفسّرين ومُجددين، يحملون روحها ويجسدون مبادئها. فالنبوة وضعت الأسس، أما الإمامة فكانت الضمانة العملية لاستمرارها في الأمة، كي لا تتحول المبادئ إلى مجرد شعارات أو نصوص بعيدة عن الحياة. إن أحفاد النبي، وفي مقدمتهم الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام)، شكّلوا الوجه المضيء لهذا الامتداد. وكان إعدادًا إلهيًا وتهيئةً عملية لاستمرار خط الإسلام الأصيل: الحسن في حكمته وموقفه السياسي الذي جنب الأمة الانزلاق في فتنة شاملة، والحسين في ثورته العظيمة التي أعادت للرسالة بريقها وأحيت ضمير الأمة في وجه الانحراف. ثم سلسلة الإمامة المحمدية من بعد الحسين (عليه السلام) حتى الامام الثاني عشر مهدي الأمة المنتظر (عجل الله مخرجه الشريف). ولم تكن حياة المؤمن خالية من معصوم، فكان تزويدهم بالعلم الإلهي الشامل والدقيق لكل ما يرتبط بشرية الاسلام من عقائد وأحكام ومعارف أصل هذا الانتخاب واعدادهم اعداداً يحافظ على الأمة.
وعند الحديث عن علمهم ومصادر ذلك العلم كل هذا الأمر كان الغرض منه المحافظة على الشريعة وعلى الدين غضا طرياً صحيحاً لا يؤثر فيه تحريف المبطلين ولا أخطاء الجاهلين وهذا مفاد الروايات الكثيرة عن العترة الطاهرة، منها ماجاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أن له خلفاً في كل جيل ينفون عن الدين تحريف المبطلين وأقوال الغاليين وآراء الجاهلين وهذا هو الأساس يعني الغرض الأقصى من اصطفاء الأئمة المعصومين (عليهم السلام) للإمامة ثم تزويدهم بذلك العلم والمهام الأساسية هنا هي الحفاظ على الشريعة وبيان أحكامها وتوضيح أبعادها لكي تبقى المنهاج والبرنامج لكل مسلم إلى يوم القيامة وهذا نفسه مفاد حديث الثقلين، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض".(١)
مفاده أن النبي لو كانت سُنة الحياة أن أبقى إلى الأبد كنت أصنع هذا ما أن تمسكتم بي واتبعتموني لا تظلون وهذه السنة غير ممكنة سنة الحياة، "أنك ميت وأنهم ميتون"، غالبة على كل سنة أخرى فلا يوجد إذاً ضمان لبقاء الشريعة صافية صحيحة من غير تحريف من غير زيادة من غير نقيصة، لا يوجد ضمان إلا بأن اترك لكم هذين الثقلين المتعادلين كتاب الله والعترة بهما معا يتأدى نفس الغرض الذي لو كنت باقياً على قيد الحياة، فهم حملة علمي وهم ورثة معارفي. لذا حملت هذه السلسلة من الأئمة على عاتقها مهمة مزدوجة: حفظ النصوص وحراسة القيم من جهة، وإعداد الأمة وتهذيبها من جهة أخرى، بحيث تبقى الرسالة حيةً متجددة. فالخط الرسالي لم يكن مجرد تلاوة للقرآن أو رواية للحديث، بل كان بناءً متكاملاً للإنسان، يربطه بجوهر الدين في كل عصر. ومن هنا تتضح الحكمة في أن علاقة أحفاد النبي بالرسالة لم تكن مجرد نسب شرفي، بل كانت علاقة إعداد وتهيئة، علاقة حملٍ للهمّ الرسالي، وتكريسٍ للتضحيات، وصناعةٍ لوعيٍ جمعي يجعل الأمة أكثر قدرة على مواجهة الانحراف والظلم.
إن الانتقال من النبوة إلى الإمامة لم يكن انتقالًا في الشكل، بل استمرارًا في الجوهر: من الوحي النازل إلى التأويل العملي، ومن بناء النص إلى بناء الأمة، ومن تأسيس الرسالة إلى حماية الرسالة. وبهذا المعنى يصبح أحفاد النبي (صلى الله عليه وآله) صلة الوصل التي حفظت الإسلام حيًا في وجدان التاريخ.
____________________________
اضافةتعليق
التعليقات