عندما تُوّلي إهتمامك بكل مَن حَولك، وتَحرصُ على المداومة والإلتزام في تأدية واجباتك تِجاه الجميع، عِندما تُعطي وتُعطي وتُعطي، وتُضحي دون جدوى، وتُكَرِسَ كُل طاقاتِك ونشاطك لوظيفة واحدة وهي بَذل كُل ما بِوسعك من اجل الحفاظ على حياتك من التشتت، حياتك التي تعتقد "انت" بأنها جزء لا يتجزأ عن حياتهم!.
ذاك التشتت الذي تخافهُ انت وَحدَك تُحاربه، انت وَحدَك، وتُحاول مراراً وتكراراً دون كَلل او مَلل ولا احد يُقدر مجهودك او يُقَدَم لك كَلمة شُكر على مَعروفك، بل كثيراً ما يحصل العكس تماماً، كثيراً ما يُساء الظَن بك وكثيرون من يَرون طيبتك ونقائك على إنها قناع لا بُد له ان يزول يوماً! فكل إناء ينضح بما فيه..
عندما تَغفر وتُسامح وتُصافح من أساء اليك عِدة مرات وفي كُل مرة كان يُعيد نفس الكَرّة، عندما تَجعل الآخرين يأمنون عقابك ولا يَكترثون لأمرَك، عندما تُضحي براحتك من اجل راحة غيرك نبلاً منك وتُقدمه على نَفسك دائما وانت تعرف بأنه لا يستحق ولن يُقدر، واعتدت الاستغفال ورَضيّت به، فإنك بذلك تكون انت هو العدو الأول لنفسك في هذا العالم!.
ان العالم اليوم اصبح سيء السمعة وغالبية البشر فيه يطغى على تفكيرهم سوء الظن والفهم ويتربصون لبعضهم ويتنافسون، ومهما حاولت مَنحهم افضل ما لَديك سَيمنحوك أردء ما لديهم ورُبما أسوء من ذلك حتى، لأنهم ببساطة يَرونك شخصاً غبياً جداً وهم اذكياء بِكونهم يَستثمرون حَسناتك ويرمون بسيئاتهم عليك! ولا يرون في ذلك استغلالا لك مُطلقا، لأنهم وببساطة ايضاً لم يجبروك على فعل الخير لهم!.
من الجيد ان تكون شخصاً صالحاً ومحباً للخير، شخصاً نقياً يرى كل العالم من حوله بمنظار جميل، ويلتمس العذر لمن يخطئ بحقه ويؤذيه ومطلوب منك ذلك، ولكن ليس في كل مرة فهناك اشخاص سيئون بطباعهم ولن يتغيروا مهما احسنت اليهم وكُلما وَجَدوكَ متسامحاً معهم ظَنوك خانعاً لهم وضعيفاً امامهم وبذلك يداومون على الحاق الضرر بك ويستغلون طِيبَتُك وعَطائك ويصعدون على اكتافك بل ويحصلون على راحتهم ومبتغاهم دائما وبالأخص على حسابك انت!.
وهناك منهم من يتمادون ولن تنفع معهم المجاملة او حتى التنازل! فيستوجب عليك حينئذ ردعهم بحزم وعدم اعطائهم اي حجم، ليلزموا حدودهم معك ويضعونك ضمن قائمتهم المميزة والمحظورة!.
فلا تكن ظالماً بحق نفسك ومُضحياً على الهامش! او مُنعزلا ومتفردا، لا تُخالط الناس ولا تود ان تتبادل معهم الحب والعطاء فتكون انانياً منبوذاً!.
اعتدل في تعاملك مع الآخرين مهما كانت مكانتهم لديك ومكانتك لديهم، ولا تُبالغ في بذل جهودك الطيبة، عليك ان تمنح جزءا منها فقط وعلى المقابل ان يُكمِل عنك ما أبديته لأجله والاجدر به ان يكفيه اهتمامك وحُسن وصالك..
قال تعالى في محكم كتابه الكريم {ولّآ تٍجُعلّ يِدك مٌغٌلّولّـٍة آلّى عنقك ولّآ تٍبسطهًآ گٍلّ آلّبسط فُتٍقعد مٌلّومٌآ مٌحًسورآ} سورة الإسراء الآية (٢٩).
الاعتدال في التعامل مع الآخرين يعني ان تمنحهم المساعدة بشكل معقول ولوجه الله تعالى، فلا تتفاءل بهم كثيرا وتنتظر منهم الرد، ولا تتشاءم منهم كثيرا وترى بهم قلة النفع! وفي النهاية تجلس وتُفكر وتَندب حظَّك وتلوم قَلبُك وتذرف الدموع عزاءاً على خيبة آمالك!.
ما الداعي لكل هذا...؟
ان الاعتدال فضيلة من الفضائل التي يرتاح بها الفرد ويُريح من يتعامل معه، فعدم الاندفاع والتفاني، وتجنب المبالغة في العطاء، تبني لك درعاً واقياً يخفف عليك وقع الصدمات العنيفة في علاقاتك الاجتماعية المعرضة دوما للتغيير وتضارب المصالح وانكشاف المواقف..
من النادر وجود الشخص الذي يستحق ان تُضحي من اجله، ولذلك عليك ان تكون معتدلاً في التعامل مع غيرك وعادلاً بحق نفسك، لتَمنحها الرضا والاطمئنان، وتجنبها القلق والندم، وكما قيل دائماً (خير الامور اوسطها).
اضافةتعليق
التعليقات