في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتضارب فيه الآراء، يصبح من السهل أن يقع الإنسان فريسة للظنون، خاصة حين يفتقر للوضوح أو تغيب عنه الحقيقة. ومن بين تلك الظنون، يبرز سوء الظن كأحد أخطر الأمراض الاجتماعية التي تُفسد العلاقات وتزرع الشك وتؤدي إلى انهيار الثقة بين الأفراد.
سوء الظن: هو الحكم المسبق على نوايا الآخرين وأفعالهم دون دليل أو تبيّن، وغالباً ما ينبع من تصورات داخلية سلبية أو تجارب شخصية مؤلمة، فيُلبس الإنسان الآخرين ثوباً من الاتهامات والنيات السيئة دون حق.
تتعدد أسباب سوء الظن، فقد تنبع من تربية قائمة على الخوف وعدم الثقة، أو من تجارب خيانة سابقة، أو حتى من ضعف الإيمان والتسليم لله. كما أن المجتمعات التي تعاني من التفكك وقلة التواصل، غالباً ما تنتشر فيها هذه الآفة، إذ يقل الحوار، وتكثر التفسيرات الخاطئة.
ليس لسوء الظن ضحايا فقط، بل هو وباء يفتك بصاحبه أولاً. فهو يعيش في قلق دائم، وتوتر داخلي، يفقد راحته النفسية، ويتعامل مع الناس بحذر مفرط وجفاء. أما على مستوى العلاقات، فهو يهدم البيوت، ويُفسد الصداقات، ويُفتت المجتمعات.
لقد نهى الدين الإسلامي عن سوء الظن بشكل واضح، فقال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" [الحجرات: 12].
كم من علاقة زوجية دُمّرت بسبب رسالة فهمت بشكل خاطئ، وكم من صداقة عميقة انهارت بسبب موقف أُوّل بسوء نية، وكم من موظف فقد وظيفته بسبب إشاعة ظنية لا أساس لها من الصحة. هذه الصور تتكرر يومياً، في بيوتنا، في مواقع التواصل الاجتماعي، في أماكن العمل، وفي الشارع. والسبب غالباً: التسرع في الحكم، وعدم التثبت، وغياب حسن الظن.
فالإسلام يُعلّم أتباعه أن الأصل في الناس البراءة، وأن النيات لا يعلمها إلا الله، وأن التثبت واجب قبل الحكم.
سوء الظن سجنٌ داخلي يحرم الإنسان من الطمأنينة، ويجعله في حرب دائمة مع من حوله. فلنمنح الآخرين فرصة لتفسير نواياهم، ولنُضيء دروبنا بحسن الظن، فهو مفتاح القلوب وسرّ المحبة الحقيقية.
اضافةتعليق
التعليقات