بعد العولمة التي شهدها العالم العربي من تطور تكنولوجي، نلاحظ تصدر الانترنت المرتبة الاولى في قائمة الأمور المهمة التي يقول عنها الناس بأنه من المستحيل ان يعيشوا من دونه، وباتت الشركات والمؤسسات وحتى المستشفيات والبيوت، تعتمد بالدرجة الاولى على هذا الغول الذي يدعى "انترنيت".
ولا نستطيع إنكار إن للإنترنيت فضل كبير في تسهيل الحياة العملية، ولكن في المقابل، لم يقدم هذا الغول خدماته وتسهيلاته العملية بشكل مجاني!، بل ارغمنا على دفع ضرائب تفوق الأرقام المصرفية التي يتخيلها الإنسان، فبعيداً عن الأموال التي ندفعها في تجديد اشتراك الانترنت، نحن نقوم بدفع مبلغ معنوي كبير جداً... لم نعره اي اهتمام من قبل!
هذا الغول ذكي جداً، ذكي لدرجة انه اعطانا الاشياء المهمة وعرف في المقابل كيف يسلب منا الأهم، قرَّب المسافات وجعل الكيلومترات تبدو كالسنتيمترات، نتواصل مع من نريد بكبسة زر، ولكنه في المقابل خلق حواجز أخلاقية صلدة، جعل من كونكريت اللهو حاجزاً ضخماً يمنع مرور صلة الرحم الى قلب الإنسان وحياته..
فبعدما كنا نجتمع مع أحبائنا بين فينة واخرى، الآن اصبحنا نكتفي ببعض الرسائل والدردشات الباردة، التي باتت لا تسد رمق مشاعرنا الجياشة حتى، وكلمة "احبك" باتت كلمة الكترونية، تكتب ولا تقال، اصبحنا نكتبها دون ان نشعر بمعناها، دون ان تنطقها العين، دون ان نبعثها بشحناتنا الايجابية الى الطرف المقابل... مع الاسف حتى مشاعرنا باتت مشاعر الكترونية.
هذا الغول لم يكتفِ بسرقة الوقت والاصدقاء فقط، بل تعدى الى غرف نومنا وبيوتنا، وسرق منا احبائنا واصدقائنا... وحتى مشاعرنا.
ويوضح تقرير حديث صدر عن "أورينت بلانيت للأبحاث" بأنه وجد 197 مليون مستخدم للإنترنت في العالم العربي مع حلول عام 2017. وهذا مؤشر خطير جداً، وبلا شك ان هذا الرقم قابل للزيادة، والغالبية هم من الاطفال والمراهقين... وهنا يتفعل دور الأهل في رقابة أولادهم، وجدولة الاوقات التي يسمح لهم بالجلوس على الانترنت، ولكن قبل ان يطبق نظام الجدول الزمني هذا على الاطفال، يجب ان يطبق على الأهل انفسهم، فعلى الوالدين تخصيص اوقات محددة في الجلوس على الانترنت، وتنشيط الجانب الأسري والاجتماعي، وتعزيز الروابط الاجتماعية عن طريق الزيارات والتجمعات المباشرة... لأن الأب والأم بلا شك هما القدوة الاساسية في حياة الابناء، والبيئة الاولى التي يكتسبون منها العادات الصحيحة.
امّا بالنسبة للشباب، فالكثير منهم يجد الانترنت المتنفس الوحيد له، بسبب الضغوطات الأمنية والإجتماعية التي يمر بها البلد، فالفتاة العراقية على وجه الخصوص تواجه مصاعب كثيرة في الخروج من البيت للقاء صديقاتها وتوسعة دوائرها الاجتماعية بسبب سوء الأوضاع الأمنية وضيق العرف الاجتماعي، فتجد الانترنت السبيل الوحيد الذي يربطها بهذا العالم. ولكن السؤال هنا، هل بات الشاب العراقي يستخدم الانترنت بالطريقة الصحيحة؟!، فعندما وجهنا هذا السؤال الى شريحة عشوائية من الفتيات والشباب جاءنا الرد بالشكل التالي:
قالت سارة مجيد (طالبة):
"الوقت الذي اقضيه على الانترنت هو من اجل التسلية، احياناً اتصفح الفيسبوك واحياناً اخرى اليوتيوب، ولكن الوقت الأكبر اقضيه في اللعب على _المزرعة السعيدة_ اذ اني اجد الانترنت المتنفس الوحيد لي، لقضاء وقت ممتع وممارسة الألعاب التي احبها، واحياناً استخدم الانترنت في البحث عن موضوع يخص دراستي".
اما رأي تارة علي (موظفة):
"إستخدامي للانترنت يتأطر بحدود التواصل والبحث فقط، اذ اني لا اعد الانترنت من ضروريات الحياة، ولا اوقف اعمالي عليه، ولكني في المقابل اعتبره اضافة جميلة لحياتي العملية، ولكني لازلت محافظة على التواصلات المباشرة، و اللقاءات الحية".
وقالت شهد علاء (ربة منزل):
"أستخدم الانترنت في مواقع التواصل الإجتماعي والتعرف على صديقات جديدات، ومتابعة الأخبار، ومعرفة ما هو جديد من أزياء وموضة، إضافة الى التصفح، والبحث عن وصفات جديدة تخص الجمال والمطبخ".
ويلعب عامل الوقت وتنظيمه دوراً مهماً في جدولة الأعمال الواجب القيام بها والأوقات التي تحددها للجلوس على الانترنت سواء كانت يومية أو شهرية أو سنوية. ولإعداد قائمة بتلك الأعمال يجب أن تعرف بأن تنظيم الوقت هو الدليل إلى النجاح، فلا نجاح بدون تنظيم للوقت، اذاً عليك تخصيص وقت محدد للأعمال المنزلية، وتحديد وقت للعائلة، ووقت للدراسة والعمل، وتحديد وقت للراحة وممارسة الهوايات، وتخصيص وقت معين للانترنت والتصفح.
وهذه بعض الإرشادات والنقاط التي ستساعدك في إستخدام الانترنت بشكل صحيح:
1_ تخصيص وقت معين للجلوس على الانترنت والأفضل ان لا يتجاوز الساعتين في اليوم.
2- استخدام الانترنت لغرض التعليم والتنمية، مع التأكد من صحة المصادر المطروحة.
3_ عدم الأخذ بالمعلومات والمنشورات وحتى الأخبار التي تتناقلها الشبكات والمواقع المشبوهة.
4_ مراقبة الأجهزة التي يستخدمها الأولاد، والتحقق من نوعية المواقع التي يرتادوها، وصيغة التفاهم المتبادلة الموجودة بين الأهل والأولاد تساعد في تجنب المخاطر والابتعاد عنها قدر الإمكان، في حال شعور الأولاد بخطر أو التعرض لتصرف غير لائق أثناء إبحارهم في الشبكة.
5_ يفضل عدم استخدام الكاميرا الموصولة عبر الحاسوب وتحديدا عبر الانترنت، وذلك لتجنب استغلال الصور والأفلام الخاصة لأغراض سلبية من قبل قراصنة الانترنت.
6_ يجب الإهتمام إلى أن مواقع التسوق ليست جميعها آمنة وبالتالي الحذر من تمرير بطاقة الاعتماد حتى لا تقع ضحية النصب والاحتيال.
7_ عدم إعطاء أي معلومة أو نشر أي تفاصيل أو صور أو أرقام الهاتف عن أنفسنا أو أهلنا في المواقع وشبكات الانترنت.
ويجب ان نأخذ بنظر الإعتبار بأن شبكة الانترنت هي شبكة تجارية، فمعظم المواقع التي فيها هي مواقع تجارية تهدف إلى كسب الزبائن والمال، سواءً بطرق سليمة أو من خلال الغش والاحتيال، فكلا الوجهين موجودان فيها، وبالتالي ليس كل ما نشاهده أو نسمعه عبر الشبكة هو صحيح. وهنا ننصح حين نريد أن نبحث عن أي شيء أو أي معلومة، أن نبحث عن المواقع الرسمية والمعتمدة لمختلف الجهات الرسمية، وقد تتعرض حرية الإبحار في هذا العالم للكثير من المتاعب والمخاطر، من بينها العنف أو تعاطي المخدرات أو المواقع الإباحية، اذا ما قيدناها بضوابط معينة.
واختيار المواقع التي يستخدمها الإنسان لغرض التصفح هو أمر مهم جداً، إذ يعد الانترنت سلاح ذو حدين، بإمكانه تقديم ما هو جيد فيخدم الإنسان ويطوره، او تقديم ماهو غير جيد مما يلحق ضرراً في شخصية الفرد وسلوكه.
كما ان هنالك العديد من المواقع المفيدة التي يستطيع الفرد استغلالها لغرض التعلم والتطوير، والحصول على كل المعلومات المرادة بكبسة زر، وفي المقابل هنالك مواقع كثيرة تفسد اخلاق الفرد وتقذف به نحو الهاوية.
ولكي نتجنب وقوع الأولاد في شباك هذه المواقع، على الأهل مراقبة المواقع التي يزورها اولادهم، وتوعيتهم وحثهم على الإبتعاد عن الشبكات والصفحات التي غايتها الأساسية افساد المجتمع، للوقاية من الأفكار الشيطانية والملعونة التي يحاول الغرب او الجهات المخربة غرسها في عقول الأطفال وحتى الفتيات والشباب، ليهدموا بناء الإسلام القويم، ويزحزحوا العقيدة والإيمان في نفوس الناس.
وفي كل الأحوال يبقى جهاز التحكم بيد الإنسان نفسه، فقد تم اختراع الإنترنت من أجل خدمة البشرية، فلو استخدمناه بالطريقة الصحيحة سنفيد به أنفسنا والمجتمع، اما اذا استخدمناه بطريقة غير صحيحة لن نضرّ به أحدٌ سوانا، وسيذهب وقتنا وعلمنا وعقلنا، هباءً منثوراً..
اضافةتعليق
التعليقات