يعتري الوجدان حالة من الاعجاب مما نشاهد أو نسمع في أَمرٍ ما، يوقظ أفكارا نسجت أعباء الحياة خمائل حولها، ويخطفنا التأمل لتخرج ما في النفس من تساؤلات ويدفعها البحث عن الإجابات.
من بينها مثلا شاهدت مقطعا مصورا ومختصرا عن حياة الكاتبة الإنكليزية (اجاثا كريستي)، ركز صانع المحتوى بأسلوب واضح ومختصر على نقطة التحول التي جعلتها كاتبة مشهورة، واصفا أولا مرارة تجربة زواجها الأول ثم الظروف التي جمعتها بزوجها الثاني الشخص الذي ساندها في مشوارها ككاتبة.
لولا فسحة الحرية الموجودة في حياتها الزوجية الأولى لما كانت اجاثا كريستي، كم كاتبة ومبدعة أهدر المحيطين مواهبها وأفقدت عتمة التشويش رؤية المراد والهدف وصفدت القيود الهمم والتقدم؟.
وقف بصدق وقال أريد تركك لقد أحببت سكرتيرتي، هذه الكلمات قالها بكل صراحة زوجها الأول، صدمت وحزنت وهربت إلى جهة مجهولة أدخلت الجميع في حالة فزع وبحثت الشرطة عنها، ثم وجدوها في فندق مستخدمة اسما مستعارا، وبعد أن أعادت ترتيب حياتها ووجدت الشريك المناسب انطلقت اجاثا لتصبح ملكة الكتابة والروائية الأكثر مبيعًا للكتب على مر العصور.
هناك من يرى موقفه في غاية القسوة ولكن فائدة ما وصلت إليه الصدق والحقيقة التي نطقها طليقها يضاهي ألمها ومعاناتها في ذلك الوقت، حقيقة موجعة صادمة توضح لك الرؤية أفضل من كذب مخدر يشوش واقعك ويسرق عمرك وأحلامك، كلمة قاسية يتبعه فعلٌ شجاع جاء من قرار خالٍ من الأنانية، خير من واقع مزيف يقيدك بسلاسل.
التعبير بحرية وشجاعة نتحمل وفقها خسائر احتراما لذاتنا وللآخر لا يجرأ الغالب على قوله كذلك غير مؤمن بها الكثير، لنتخيل ماذا يفعل أغلب الرجال في مجتمعاتنا حين يعشق سكرتيرته أو زميلته أو أيا كانت صفتها، لنقل سكرتيرته لتقريب المقارنة، في بداية اعجابه بها سيحث الخطى لكسب ودها وإذا صدته ينفش ريشه ويتصرف وفق عنجهيته الذكورية ولا يكون لها نصيب في البقاء طويلا بعد أن يسوّد عيشها في العقوبات والمعاملة السيئة.
أما في حال استطاع اقناعها يلعب على الحبلين فمن جهة يراوغ زوجته فهو لا يملك الصدق الكافي واحترام مشاعر الشريك أو المعرفة الثابتة بما يريده فعلا، والمناسيب المنخفضة في الصدق والمعرفة، والمناسيب المرتفعة من الأنانية، لا تجعله انسانا شجاعا يتخذ قرارا نهائيا ليقف ويقول بصراحة ما يشعر به ويحتاجه.
إن آخر فكرة تراوده هي الاعتراف لزوجته عن حبه الجديد، على الرغم معرفته العميقة أنه لم يعد ذلك الزوج الذي يحب ويعطي ويساند زوجته، وخير الحلول وأسهلها عنده المراوغة واخفاء سر مشاعره الجديدة مهما كانت شدتها وقوتها على روحه، والاستمرار في التلاعب كالجمباز يقفز هنا ويقفز هناك بالطرق التي تلائمه للتقرب من العشيقة وابداء الرضا والتقبل لزوجته.
دون الخوض بالتفاصيل إن الوضع الأقرب والمتكرر في أرض الواقع، السكرتيرة تترك العمل هربا من علاقة فاشلة أصبحت هما وثقلا على روحها أو هو من سيطردها أو ينغص عيشها حتى تترك العمل في حال اختلفوا أو لم تجاري رغباته.
الزوجة ستواجه ما يلي ربما زواجا بالسر أو زواج جديد يفرض عليها بحجة تقصيرها باحتياجاته الملكية، أو طلاق بعيد كل البعد عن التراضي والود والعدالة.
والحل الأكثر شيوعا تبقى الزوجة معلقة تعرف خيانته أو شكوك تولد ثورات ومعارك دائرة تصغر وتكبر، أو تقبل بهدوء تنتج حياة متقاربة جسديا متباعدة بالروح والمشاعر، وأحلامها وطموحاتها غير معني بها هو، وكل ما تحارب من أجله العدالة في التعامل.
بالكذب والأنانية سرق حريتها وأغلق عليها كافة الخيارات الحقيقية لتحيا كما يحيا هو مسنودا بالتقاليد والأعراف والتفسير المغلوط للشرائع الدينية، وعذر لا يريد خراب البيت يؤيده عليه كل من حولها، دون أن يعلم أن الخراب توسع داخل روحها، ليتجاهل ويتمادى على حقوقها يزيد إذا كانت دون مستواه المادي أو العلمي.
ادق واجمل الأوصاف لحقيقة المرأة هو قول الرسول عليه الصلاة والسلام بـ (القوارير) عندما تضغط عليها أو تدق بكفة الظلم على روحها وتتجاوز طاقتها تتهشم ومن الصعب اعمارها أو ترميمها، ستهدم ثقتها بالقدرة على العودة لما كانت عليه سابقا، والخوف من الخوض بتجارب ناجحة جديدة والتردد في العمل على تطوير ذاتها.
إن غياب التعبير الصادق عن المشاعر واغلاق الخيارات أكثر أسباب فشل الانسان، تشمل الخيارات أي وجهة وتوجه تريد السير باتجاهه (الحب، الزواج، الطلاق، العمل، التخصص...الخ).
إن الانسان الذي أكرمه الله واعزه وجعل القدرة الجسدية والعقلية لا تحدها حدود في ادامة وتطور مادامت فيه الروح هناك من لديه القدرة على سرقة هذه الطاقة بأعذار ومبررات، شحة الخيارات أحدها، تضييق مساحة الطموح على المستوى العملي والشخصي، ليس هذا فحسب بل تضييق كافة المساحات التي أوجدها الله في النفس الحرة في اختيار الوجهة التي تتلائم مع التكوين البشري نظرا لقدرته ورغباته التي يعيها ويؤمن بمقصدها والحالة التي أصبح عليها.
اضافةتعليق
التعليقات