سؤالٌ يطرحه أحد الأصدقاء: "ماذا فعلتَ في حياتك؟"، وفي لحظة صمت، تعود بك السنوات الماضية. فعلًا، ماذا فعلت؟!
إن الحياة التي يسعى إليها الإنسان بكل ما يملك من وقتٍ وصحةٍ وعمر، لينالَ درجةً أكاديمية، أو يحصل على بيتٍ قد لا يتجاوز المئة متر، أو مرتبة شرف... هل هذه هي حصيلة حياة الإنسان التي خُلق من أجلها؟ هل هذا هو الهدف الأساسي؟
إن أيَّ تغييرٍ بسيطٍ في هذه الحياة قد يُحدث تأثيرًا لا يمكن الاستهانة به على نفسية الإنسان. ومن المعلوم أننا نعيش في مجتمعٍ يطلب الشهادة الأكاديمية، والمال، والجاه، والنسب، لكننا لم نعرف بعدُ: ماذا فعلنا في هذه الحياة؟
لم نتعلّم بعدُ فنّ الحياة، الذي يجب أن نتعلّمه بأنفسنا.
قرأتُ قبل أيام كتاب "ماذا أنت فاعلٌ بحياتك؟". حقيقةً، كنت أفكر قبلها: ماذا بعد؟ هل يسأل الإنسان نفسه: ماذا فعل؟ وماذا لم يفعل؟
من منا لم يواجه مشكلاتٍ اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية؟
فالإنسان لا يُدرك حجم ما يُعانيه، ويظلّ مكانه حتى آخر لحظاته، وتصبح الأمور تراكمات. ومن هنا، تكمن أهمية فهم مسؤولية الإنسان تجاه نفسه.
لذا، من المهم أن نفهم الطريقة التي تعمل بها أذهانُنا حتى نستطيع التعامل مع مشكلات الحياة المعقدة.
وكي يتم ذلك، يجب أن نفهم أن الذهن هو أداة المرء للتفكير والعمل، وهو ينقسم إلى الوعي واللاوعي، وقد ارتبط هذان القسمان بقرونٍ من الثقافة، والمؤثرات الاجتماعية، والاقتصادية، والأفكار، والمعتقدات، والخبرات التي عاشها البشر.
ومن هنا، يخرج المرء إلى الحياة بهذه التشكيلة الذهنية ليواجهها منفردًا.
إذن، ما الذي تريده حقًا؟
لنعلم أن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث دون فهمٍ صحيحٍ لأنفسنا. فكيف يُغيّر المرء العالم وهو لم يبدأ بعدُ في تغيير نفسه؟
وأوّلُ التغيير هو فهم النفس، ويتم ذلك عبر مراجعة القرارات والعلاقات الاجتماعية، وليس بالانعزال والوحدة. فالنضج لا يرتبط بالعمر، لكنه أيسر على الشباب من كبار السن الذين أوسعتهم الحياة ضربًا.
لكن لا يعني ذلك استحالته عليهم، وإن كانت الحقيقة أن كثيرين لم يحققوا هذا النضج المطلوب، وفي الوقت نفسه يرغبون في تحقيق الأمان والنجاح دون نتيجة تُذكر.
وقد يُساعد فهمُنا أن حلَّ مشكلات الحياة يكون أكثر فاعلية حين ننظر إليها ككل، لا مجزأة أو مقسّمة، فالتحليل هنا قد يراكم الأمور، في حين أن المشكلة لا تحتاج سوى إلى إدراكها ورؤيتها كما هي، لا أكثر.
ومن هنا نستنتج أنك، بوصفك إنسانًا، تحتاج إلى أن تعي المشكلة فحسب، لا أن تفحصها باستمرار وتدقق في كل صغيرة وكبيرة، فتُشغل ذهنك ويزداد بؤسك ومشكلاتك.
إياك أن تُطارد السعادة
قد تعني السعادة أن نحصل على ما نريد، فعندما نرغب في سيارة، أو منزل، أو سفر، أو منصب، أو نجاح، فإننا نظن أن السعادة ستأتي بتحقّق ذلك. وإن لم يحدث، نشعر بالتعاسة.
لكن الحقيقة أن هناك مبدأً يرى أن الإنسان في اللحظة التي يعي فيها أنه سعيد، فهو غير سعيد!
تمامًا كاللحظة التي يرى فيها شخص أنه متواضع، فهو حينها ليس كذلك. ومن هنا نعلم أن السعادة ليست من الأمور التي يجب أن نسعى في طلبها، وإذا سعينا وراءها، فبالتأكيد ستفلت منا.
وفي الحديث المروي عن النبي محمد ﷺ:
"لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن خمسِ خصالٍ: عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ، وعن مالِهِ من أين اكتسَبَهُ وفيمَ أنفَقَهُ، وعن علمِهِ ماذا عملَ فيه."
ومعنى "فيما أفناهُ" هو أن العبد يُسأل عن حياته كلها، وكيف قضى أوقاته واستغلّها، وماذا فعل بها.
عاش عمره يندب ويبكي على ما فاته. فلا يوجد إنسان على وجه الأرض قد نجا من الأسى والألم والقلق. فكيف يمكن أن نتعامل مع مشكلاتٍ معيّنة طالما لا تتطلب فكرًا؟
يتم ذلك برصدها دون أي ترجمة أو تأويل أو إدانة أو تحيّز.
فمثلًا، إذا كنا نعاني من أسى الوحشة أو فقدان شخص ما، بانتهاء علاقة أو موته، ففي هذه اللحظة، يجب النظر إلى الأمر دون أن نُدخل الذهن الواعي أو اللاواعي في الاعتبار.
وهنا فقط نستطيع النظر إلى المشكلة دون ضغوط.
لماذا نعيش خائفين؟
نحن البشر غارقون في الخوف:
الخوف من خسارة الوظيفة، أو غياب النجاح، أو الفقد، أو الموت...
وما يجب فعله هو التحرر من هذا الخوف، لأنه يُبلّد الذهن، ويُوقف الإنتاج، ويُطفئ الشعور بالحياة.
الخوف أمرٌ طبيعي، لكنه يرتبط بشعور داخلي أو خارجي ناتج عن تأثير المجتمع والثقافة.
هناك نوع من الأسى يحدث عندما يقع المرء في فخ مقارنة حياته في الماضي بالحاضر، فهو يظن دائمًا أن الماضي كان أفضل.
والحل هنا: أن تتوقف عن المقارنة.
فعندما تنظر إلى لوحتين وتُقارن بينهما، فإنك لا ترى أيًّا منهما في الحقيقة، بل تنظر إلى ما ينقصهما فقط.
لذا، عندما تغيب المقارنة، يصبح الذهن خارق الكفاءة.
وبالإضافة إلى ذلك، فلا ينبغي للمرء أن يعبد النجاح ويسعى وراءه لاهثًا، فالمنافسة المستمرة على القمة لا تخلق إلا العداء والحسد.
اضافةتعليق
التعليقات