• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

خذلان باسم الأبوة

زينب شاكر السماك / الخميس 25 ايلول 2025 / تربية / 311
شارك الموضوع :

كيف يكون الأب أقسى من الغياب، وأشدّ فتكاً من الموت، حين يختار أن يعق ابنته باللامبالاة

في زحام الأصوات المليئة بالحنين، جلست فتاة تصغي لأحاديث زميلاتها عن آباء يشبهون الحصون. إحداهن تروي عن أبٍ لم يعرف الكلل، يسهر ليوفر لها ما تريد، وأخرى تتغنّى بضحكاته وحكاياته التي تملأ بيتها دفئاً، وثالثة تبكي والدها الذي ابتلعه الموت لكنه ظل حياً في تفاصيلها، ورابعة تعترف أن أباها المريض صار طفلها الذي ترعاه بكل فخر. أما هي، فكان صمتها أبلغ من كل الكلمات، وكان قلبها يرتجف من سؤالٍ تعرف أنه سيأتي: “وأنتِ، ماذا عن أبيك؟”.

كيف تُجيب؟ ماذا تقول عن رجلٍ لم يمت، ولم يغب بجسده، لكنه لم يحضر يوماً بروحه؟ كيف تصف أباً كان موجوداً في البيت، لكنه كان غائباً عن الحياة، عن الأحاديث، عن لحظات الحنان الصغيرة التي تُبنى بها ذاكرة الأبوة؟ لقد حاولت أن تفتش في أرشيف طفولتها عن مشهد واحد يجمعها به، عن كلمة دعم، عن ابتسامة رضا، لكنها لم تجد إلا بروداً يجلدها وصمتاً يُرعبها.

كانت هي الوحيدة بين إخوتها، تظن أنها مدللته، لكنها كانت أكثرهم انكساراً. ظلت تراه بطلاً في خيالها، ثم بطلاً سقط، ثم شبحاً يُخيفها ولا يؤنسها. لقد كبُرت وهي تحمل في قلبها سؤالاً مُلتهباً: لماذا لم يكن أبي أباً كما ينبغي؟ لماذا لم أحب في عينيه ملامحي؟ لماذا كنتُ غريبة في حضرته؟.

هذا هو العقوق الذي لا يُكتب عنه كثيراً: عقوق الأب لابنته. عقوق لا يُقاس بالصوت المرتفع أو اليد الغاضبة، بل بغياب الحضور، بقتله المعنوي للطفولة، بحرمانها من أبسط حقوقها: أن تشعر أن لها مكاناً في قلبه. إن الأب حين يعق ابنته لا يسلبها لحظة عابرة، بل يسلبها ثقتها بذاتها، يتركها تكبر وفي قلبها سؤال ملتهب: “أي ذنب فيَّ جعلني غير كافية لأحظى بأب يحتويني؟”.

لقد كبُرت وهي تتعلم أن تحمل أعباءها وحدها، أن تكون صلبة في وجه الانكسار، أن تبحث في داخلها عن سندٍ يفترض أن يكون خارجها. لكنّ القوة المبكرة ليست بطولة، بل جرح مغلف بالصلابة. كل فتاة تحتاج إلى أبٍ يعلّمها أن العالم مكان آمن، أن الرجال يمكن أن يكونوا عطاءً لا تهديداً، أن قلبها يستحق أن يُحاط بالحب. وحين يتخلى الأب عن هذه المهمة، فإنه لا يعق ابنته وحدها، بل يعق مستقبلها، يعق نظرتها للعلاقات، ويعق صورة الرجل في خيالها كله.

في أعماق النفس، يترك العقوق ندوباً خفية لا تراها العيون. ذلك العقوق الذي مارسه والدها لم يسرق طفولتها فحسب، بل انتزع منها صورة الرجل في حياتها كلها. تركها تسير تائهة، تبحث عن الأمان في وجوه الآخرين، أو تهرب من فكرة الرجل خشية تكرار الخذلان. حاولت مراراً أن ترسم له ملامح أب صالح في خيالها، أن تمنحه صورة تستحقها، لكن كل محاولاتها كانت تتكسر بين يديها كما تتشظى المرآة المشروخة، التي لا يمكن أن تعكس وجهاً كاملاً أبداً.

إن عقوق الأب لابنته جريمة صامتة، لا تُسجّل في دفاتر القضاء ولا تُعاقبها القوانين، لكنها تزرع ندوباً في الروح لا يراها أحد. الأب الذي يعق ابنته لا يعقها في حاضرها فقط، بل يُعقّد مستقبلها أيضاً، يحرمها من التوازن العاطفي، من الأمان، من صورة الرجل الذي تستحق أن تراه سنداً لا شبحاً.

لقد كان يمكن لتلك الفتاة أن تتحدث بين زميلاتها عن أبٍ عظيم كما يفعلن، لكنّها لم تجد ما تقوله سوى صمتٍ ثقيل. صمتها كان مقالاً، ودمعتها كانت شهادة. وحين التفتت إلى ذاتها سألت سؤالاً لا يُجاب: كيف يكون الأب أقسى من الغياب، وأشدّ فتكاً من الموت، حين يختار أن يعق ابنته باللامبالاة.

الأب
قصة
العاطفة
السلوك
الحزن
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    خذلان باسم الأبوة

    الرأسمعرفية: اقتصاد جديد يُعيد تعريف القوة والملكية

    التباهي بالحقوق

    هل يؤثر التهاب الجسم في نومك؟

    اللامبالاة.. ليست علاجاً للقلق بل هي من ثماره المرّة

    لغة الإيموجي… حينما تتحدث الصور وتصمت الكلمات

    آخر القراءات

    نظارات ذكية بتقنيات الذكاء الاصطناعي.. تعرَّف عليها

    النشر : الأثنين 23 تشرين الاول 2023
    اخر قراءة : منذ 8 دقائق

    القلادة

    النشر : الخميس 01 تشرين الاول 2020
    اخر قراءة : منذ 8 دقائق

    لماذا تعتزم غوغل وقف جمع وتخزين بيانات مواقع المستخدمين؟

    النشر : الخميس 21 كانون الأول 2023
    اخر قراءة : منذ 8 دقائق

    رحيل أمينة المكتبة المركزية في البصرة التي أنقذت كتب العراق

    النشر : الثلاثاء 24 آب 2021
    اخر قراءة : منذ 8 دقائق

    عالم الأبراج والجذب في نظرية الإمام الصادق

    النشر : الأربعاء 30 نيسان 2025
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    المناجاة الشعبانية وتنبيهان لتشعب أنوار الإنسان

    النشر : السبت 12 آذار 2022
    اخر قراءة : منذ 9 دقائق

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    لغة الإيموجي… حينما تتحدث الصور وتصمت الكلمات

    • 617 مشاهدات

    أذنان مفتوحتان وفم مغلق.. سرّ النجاح

    • 585 مشاهدات

    لعبة الروبلكس.. قنبلة موقوتة في عقول الأطفال

    • 487 مشاهدات

    التربية بين جناحين: دفء الأمومة وأفق العمل

    • 370 مشاهدات

    رسالة إلى أمي

    • 363 مشاهدات

    اليوم العالمي للسلام... رسالة للتعايش السلمي بين الأوطان والأفراد

    • 345 مشاهدات

    بحر الزائرين: ذكرى استشهاد الإمام العسكري تعيد رسم خريطة الولاء في سامراء

    • 1249 مشاهدات

    الشورى: وعي ومسؤولية لبناء مجتمع متكامل.. ورشة لجمعية المودة والازدهار

    • 1216 مشاهدات

    الإمام الحسن العسكري: التمهيد الهادئ لعصر الغيبة

    • 1157 مشاهدات

    الحشمة المهدورة خلف ستار القرابة

    • 825 مشاهدات

    قراءة في كتاب: في دقائق كيف نتغيّر؟

    • 716 مشاهدات

    تجاوز سطح الخلاف: كيف يختبئ الاتفاق خلف سوء الفهم؟

    • 701 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    خذلان باسم الأبوة
    • الخميس 25 ايلول 2025
    الرأسمعرفية: اقتصاد جديد يُعيد تعريف القوة والملكية
    • الخميس 25 ايلول 2025
    التباهي بالحقوق
    • الخميس 25 ايلول 2025
    هل يؤثر التهاب الجسم في نومك؟
    • الخميس 25 ايلول 2025

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة