مع إطلالة أيام شهر ربيع الأول حيث تغيب الشمس خلف أفق سامراء المقدسة حاملة في غروبها ألم فراق عظيم ألم فقد إمامٍ وارثٍ ونورٍ من أنوار الله في أرضه تبدأ القلوب بالتحرك نحو ذلك المرقد الطاهر حيث يرقد الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).
إنها ذكرى استشهاده التي تهزّ المشاعر وتستدعي جموع المؤمنين من كل فج عميق ليسجّلوا موعداً مع الوفاء وليكتبوا بلحمتهم وروحهم الجماعية صفحةً جديدةً من صفحات الإيمان والعزاء.
تتحول طرقات سامراء إلى أنهار بشرية متدفقة تردد بلسان واحد ذكر الإمام المعظّم وتتجه بقلب واحد نحو القبة الذهبية الشامخة التي تلمع في وسط المدينة كالنجم الساطع منارةً للقلوب وملاذاً للأرواح المتعطشة لفيض بركاته.
إنها ليست مجرّد حركة بشرية عابرة بل هي ملحمة إيمانية تتجسد على الأرض لتروي قصة حبٍّ خالصٍ لله ورسوله وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام).
هذا الحشد الحاشد بكل ما يحمله من تنوع في الجنسيات واللهجات والأعمار يختزل في تكوينه أسمى معاني الوحدة والتآخي.
فها هم يتلاقون تحت سقف الولاية متجاوزين كل الحدود المصطنعة متحدين في الهدف متشابهين في الشعور متوجهين إلى ساحة القرب الإلهي ممثلة بمنزل النبوة ومعدن العلم ومنبع الإمامة.
إنهم يزورون ليس فقط جسداً طاهراً بل يزورون مدرسةً من مدراس العلم والتقوى وعلماً من أعلام الهداية الإلهية وإماماً عانى كآبائه من ظلم الجبابرة وحبسهم فصبر حتى أتاه اليقين ليبقى نوره وهديه مناراً للأمة.
أنفاس الزائرين تتعالى بالدعاء والابتهال وأيديهم تمتدّ بالرغاء والرهبة إلى السماء يتوسلون إلى الله تعالى بذلك الإمام الزكي طالبين قضاء الحوائج، وشفاء المرضى ورفع البلاء وتفريج الكربات.
ففي تلك البقعة المقدسة حيث تهطل الرحمة الإلهية هطلاً يشعر الإنسان بقربه من ربه وبأن دعاءه مستجاب وعمله مقبول وأمله في رحمة الله الواسعة متحقق.
هذا المشهد المهيب بكل ما فيه من بساطة وإخلاص هو رسالة صامتة ولكنها قوية تعلن للعالم أن قضية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) لا تزال حية في نفوس ملايين المسلمين، وأن مسيرتهم مستمرة وأن ذكراهم خالدة.
هي رسالة تجديد للعهد والولاء، وتأكيد على السير على خطاهم والاقتداء بهم في الصبر والثبات على المبادئ، والعمل بما أمر الله تعالى.
فيا لها من نعمة عظيمة ويا له من شرف كبير أن تتاح للمؤمن فرصة الوقوف بين يدي ذلك الإمام العظيم أن يروي ظمأ قلبه من نبع فضله، أن يشمّ نسيم رحمته وأن يعود وهو يحمل في داخله عزيمة جديدة وإيماناً أعمق وروحاً مطمئنةً بفضل الله ثم ببركة زيارة من هو باب من أبواب رحمته والحسن العسكري (عليه السلام) أحد تلك الأبواب المشرعة على مصراعيها لكل طالب حق وسائر على درب الهدى.
اضافةتعليق
التعليقات