الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، هو: الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، شخصية محورية في التاريخ الإسلامي، إذ لم يقتصر دوره على مواجهة التحديات الفكرية والسياسية في عصره، بل كان له دور بارز في التمهيد لمرحلة غيبة ولده الإمام المهدي (عجل اللهتعالى فرجه الشريف). هذه المرحلة التي شكّلت منعطفاً مهماً في مسار الفكر الإمامي، وأساساً لبقاء خط الإمامة متواصلاً رغم القيود السياسية.
ظروف سياسية خانقة
عاش الإمام العسكري (عليه السلام)، في عصر العباسيين الذين ضيّقوا عليه الخناق بشدة، فوُضع تحت الإقامة الجبرية في سامراء، وخضع لمراقبة دقيقة خشية أن يولد "المهدي الموعود" الذي كانت الأخبار تتناقل ظهوره. هذا الحصار لم يمنع الإمام من القيام بدوره الرسالي، بل دفعه إلى اعتماد أساليب أكثر حذراً وتنظيماً في التواصل مع شيعته.
شبكة الوكلاء: البنية التحتية للغيبة
أحد أبرز إنجازات الإمام الحسن العسكري(عليه السلام)، كان ترسيخ شبكة الوكلاء التي عملت على ربط القيادة الدينية بالقاعدة الشعبية. هذه الشبكة لم تكن مجرد وسيلة لنقل الأموال الشرعية والرسائل، بل شكّلت تدريجاً عملياً لشيعته على كيفية الرجوع إلى "النوّاب الخاصين" تمهيداًلتقبّل فكرة النيابة عن الإمام الغائب.
تعويد الشيعة على الغيبة
عمل الإمام (عليه السلام)، على تعويد أتباعه على الاتصال المحدود به، بحيث تصلهم تعليماته عبر رسائل وخطوط سرّية دون لقاء مباشر في كثير من الأحيان. وبذلك هيّأ عقولهم ونفوسهم لفكرة الغيبة، حيث لا يكون الإمام حاضراً بشكل مباشر بينهم، لكن صوته يظلّ حاضراً عبر وسائط موثوقة.
إعلان الولادة وحماية السر
من أخطر التحديات التي واجهها الإمام العسكري (عليه السلام) كانت ولادة الإمام المهدي. فقد حرص على إبقاء الأمر سراً، وأظهره فقط لعدد محدود من خلّص أصحابه، حفاظاً على حياته من تهديد العباسيين الذين كانوا يترقّبون هذه الولادة. وفي الوقت نفسه، أثبت وجوده بطرق دقيقة ليطمئن أتباعه إلى أن الوعد الإلهي قد تحقق.
إرث التمهيد
برحيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، سنة 260هـ، بدأت مرحلة الغيبة الصغرى مباشرة، حيث استلم السفراء الأربعة مهمة الربط بين الإمام الغائب والأمة. ويمكن القول إن نجاح هذه المرحلة يعود بشكل كبير إلى الأسس التي وضعها الإمام العسكري بعناية ووعي استثنائي.
لقد كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مدرسة في الحكمة والصبر والعمل المنظّم، ومهّد بعقله الاستراتيجي وقيادته الهادئة الطريق لمرحلة مفصلية في التاريخ الإسلامي. فبفضل جهوده، تمكّن خط الإمامة من تجاوز أخطر المراحل، ليبقى مشروع العدل الإلهي حياً حتى ظهور الإمام المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
اضافةتعليق
التعليقات