النوم والالتهاب وجهان لعملة واحدة، قلة النوم ترفع مؤشرات الالتهاب، والالتهاب بدوره يضعف جودة النوم. ينصح المتخصصون بالنوم سبع ساعات يومياً مع اتباع سلوكيات صحية تشمل العلاج السلوكي وغذاء متوازناً ونشاطاً بدنياً منتظماً، لخفض الالتهاب وتحسين الراحة الليلية.
لا يقتصر النوم على كونه استراحة للجسد، بل يكشف العلم اليوم عن كونه لاعباً محورياً في معادلة الصحة والالتهاب، فحين يقل عدد ساعات النوم ترتفع في الدم مؤشرات التهابية، وحين تتصاعد هذه المؤشرات تتدهور نوعية النوم وتزداد اليقظات الليلية. إنها حلقة مفرغة قد تنذر بعواقب صحية إذا لم تكسر، وتشير مراجعات علمية حديثة إلى أن جزيئات مثل إنترلوكين-6 وإنترلوكين-1B ترتبط مباشرة بمراكز النوم في الدماغ، وتتأثر بدورها بإيقاع الساعة البيولوجية وجودة النوم ومدته، وذلك بحسب مراجعة بعنوان "التفاعل بين النوم والجهاز المناعي: آليات وآثار صحية" نشرت في مجلة "مراجعات الطبيعة في علم المناعة" عام 2023.
ماذا تقول الأرقام؟
أظهرت أبحاث سريرية واسعة أن قصر النوم واضطرابه يرتبطان بارتفاع بروتين سي التفاعلي (CRP) وإنترلوكين-6 (IL-6)، وهما من أبرز مؤشرات الالتهاب في الطب. هذه الزيادة لا تعكس مجرد نتائج مخبرية، بل ترتبط بأخطار قلبية واستقلابية على المدى الطويل. وتشير الأدلة الأحدث إلى أن الحرمان الجزئي والمتكرر من النوم ليالي عدة – حتى من دون السهر الكامل – قد يخلق بيئة التهابية حتى لدى الأصحاء.
ولهذا توصي الجمعية الأميركية لطب النوم بالتعاون مع جمعية أبحاث النوم بأن ينام البالغون سبع ساعات فأكثر كل ليلة، للحفاظ على الصحة وتقليل الاختلالات المناعية والالتهابية.
كيف نحسن نومنا قبل اللجوء إلى الدواء؟
ينصح متخصصو النوم في مواجهة الأرق المزمن بالعلاج المعرفي السلوكي للأرق (CBT-I)، المعيار الذهبي عالمياً. يقوم هذا النهج على ضبط العادات والبيئة المحيطة بالنوم، مثل تثبيت أوقات النوم والاستيقاظ يومياً، والاقتصار على السرير للنوم فحسب، وتقليل القيلولة، وإطفاء الشاشات قبل ساعة من موعد النوم، وقد أثبتت مراجعات علمية واسعة أن هذا العلاج لا يحسن جودة النوم فحسب، بل يسهم أيضاً في خفض مؤشرات الخطر القلبي – الاستقلابي.
الغذاء كدواء للنوم
النظام الغذائي يمثل عاملاً محورياً في تهدئة الجسم وتعزيز النوم العميق، فقد أظهرت دراسة نشرت في مجلة "المغذيات" (Nutrients) عام 2020 أن النمط الغذائي المتوسطي الغني بالخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة والبقوليات وزيت الزيتون والمكسرات، مع حصص منتظمة من الأسماك أو اللحوم الدهنية، يرتبط بانخفاض ملحوظ في مؤشرات الالتهاب، كذلك أكدت مراجعة في مجلة "صحة النوم" (Sleep Health) عام 2021 أن هذه الحمية تساعد على تقليل الأرق وتعزيز النوم العميق. هذا الأثر المضاد للالتهاب ينعكس بصورة غير مباشرة على جودة النوم، عبر تقليل الارتجاع المريئي، وضبط تقلبات سكر الدم، والتخفيف من الالتهاب المنخفض الدرجة.
الحركة دواء للأرق
النشاط البدني المنتظم بدوره يخفض الالتهاب ويطيل مراحل النوم العميق. وتوصي الأبحاث بمعدل 150 دقيقة من النشاط أسبوعياً، كالمشي السريع لمدة نصف ساعة يومياً، على أن يمارس التمرين القوي قبل النوم بثلاث إلى أربع ساعات حتى لا يسبب تنبيهاً مسائياً.
وقد خلصت دراسة نشرت في مجلة "طب النوم السريري" (Journal of Clinical Sleep Medicine) عام 2015 إلى أن الرياضة تحسن نوعية النوم وتقلل من أعراض الأرق حتى لدى المصابين باضطرابات مزمنة، فيما أكدت مراجعة موسعة في مجلة "صحة النوم" (Sleep Health) عام 2018 أن التمارين المعتدلة مثل المشي أو ركوب الدراجة تدعم النوم العميق والاستيقاظ الصباحي الحيوي.
معالجة الأسباب المخفية
قد تعوق مشكلات صحية جودة النوم وتزيد الالتهاب، مثل الألم المزمن والتحسس الأنفي أو انقطاع النفس الانسدادي المصحوب بالشخير والاختناق. هذه الحالات تستوجب استشارة الطبيب عند المعاناة من استيقاظ متكرر أو إرهاق دائم على رغم ساعات نوم كافية.
المغنيسيوم… سلاحك الطبيعي ضد القلق واضطرابات النوم
النوم والالتهاب مرتبطان بعلاقة متبادلة، قلة النوم ترفع مؤشرات الالتهاب، والالتهاب نفسه يربك بنية النوم ويزيد يقظاته، غير أن هذه الحلقة المفرغة قابلة للكسر عبر خطوات عملية: نوم منتظم، وغذاء متوازن، ونشاط بدني، وعلاجات موجهة عند الحاجة. إنها وصفة بسيطة لكن مدعومة ببحوث متراكمة، تعيد للنوم دوره كمسكن طبيعي للالتهاب… قبل أن يوقظ صاحبه في منتصف الليل. حسب اندبندت عربية
اضافةتعليق
التعليقات