تبحث ليلى عن منشور الأبراج صباح كل يوم، تقرأ ما يقوله برجها، وترتّب يومها حسب طاقة اليوم وقوة البرج. أوقفتني هذه اللحظة: كيف لهذا الإنسان أن يبرمج يومه وفق كلام قد يحصل وقد لا، وإن حصل فهو بمشيئة الله تعالى، وإن لم يحصل فكل شيء بعلمه وقدره، فقد قالوا:
"كذب المنجمون ولو صدقوا."
وقد رفض الدين الإسلامي التكهّن والتنجيم. فقد رُوي عن أبان بن تغلب أنه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل اليمن، فسلّم عليه، فردّ عليه أبو عبد الله (عليه السلام)، فقال له: مرحباً يا سعد. فقال الرجل: بهذا الاسم سمّتني أمي، وما أقل من يعرفني به. فقال له أبو عبد الله: صدقت يا سعد المولى. فقال الرجل: جعلت فداك، بهذا اللقب كنت أُلقّب.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): "لا خير في اللقب، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ﴾."
قال: ما صناعتك يا سعد؟
قال: جعلت فداك! إنّا أهل بيت ننظر في النجوم، ولا يُقال إن باليمن أحداً أعلم بالنجوم منا.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟
فقال اليماني: لا أدري.
فقال (عليه السلام): صدقت.
قال: فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري؟
قال اليماني: لا أدري.
فقال (عليه السلام): صدقت.
قال: فكم يزيد ضوء عطارد درجة على ضوء الزهرة؟
قال اليماني: لا أدري.
قال (عليه السلام): صدقت.
قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟
قال اليماني: لا أدري.
قال (عليه السلام): صدقت.
قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟
قال اليماني: لا أدري.
فقال (عليه السلام): صدقت.
قال: فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟
قال اليماني: لا أدري.
فقال (عليه السلام): صدقت في قولك: لا أدري.
قال: فما زُحل عندكم في النجوم؟
قال اليماني: نجم نحس.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تقل هذا، فإنه نجم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو نجم الأوصياء (عليهم السلام)، وهو النجم الثاقب الذي قال الله تعالى في كتابه.
قال اليماني: فما معنى "الثاقب"؟
قال (عليه السلام): إن مطلعه في السماء السابعة، فإنه ثقب بضوئه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن ثمّ سماه الله "النجم الثاقب".
ثم قال: يا أخا العرب، عندكم عالم؟
قال اليماني: نعم، جعلت فداك، إن باليمن قوماً ليسوا كأحد من الناس في علمهم.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وما يبلغ من علم عالمهم؟
قال اليماني: إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في ساعة واحدة، مسيرة شهر للراكب المسرع.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): فإن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن.
قال اليماني: وما يبلغ من علم عالم المدينة؟
قال: إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن يقفو الأثر، ولا يزجر الطير، ويعلم في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجاً، واثني عشر براً، واثني عشر بحراً.
الاستنتاج من الرواية الشريفة:
تُحرَّم الكهانة كما في خبر أبي بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام): "من تكهّن أو تُكُهِّن له فقد برئ من دين محمد (صلى الله عليه وآله)." ونحوه غيره، وقد تقدّم بعضها في باب التنجيم والسحر.
يُحرم الرجوع إلى الكاهن والعمل بقوله وترتيب الأثر عليه، استناداً إلى جملة من النصوص الناهية.
لا يجوز أخذ الأجرة على أخبار الكاهن، لكونه عملاً لا يترتب عليه أثر جائز. وفي خبر السكوني عن الإمام الصادق (عليه السلام) اعتُبر أجر الكاهن من السُّحت.
يُعتبر التنجيم حراماً بكل ما فيه من الإخبار عن الحوادث، مثل الرخص والغلاء، والحر والبرد ونحوها، استناداً إلى الحركات الفلكية والطوارئ الطارئة على الكواكب، من الاتصال بينها، أو الانفصال، أو الاقتران، أو نحو ذلك، باعتقاد تأثيرها على الإنسان. والخوف منها مما يجعله في مرحلة الكفر أو الشرك، وكلاهما في النار، كما في الروايات المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام).
اضافةتعليق
التعليقات