شهد العراق في الفترة الأخيرة جدلاً واسعاً حول مسألة تعديل قانون الأحوال الشخصية، وهو القانون الذي يشمل تنظيم العديد من القضايا المتعلقة بالأسرة مثل الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والمواريث.
هذا الجدل لم يقتصر على الأوساط القانونية والسياسية فحسب، بل امتد ليشمل كافة أطياف المجتمع العراقي، مما أدى إلى انقسام الآراء حول بعض القضايا الحساسة، خاصة فيما يتعلق بحضانة الأطفال بعد الطلاق.
يعد موضوع حضانة الأطفال من أكثر القضايا المثيرة للجدل، حيث انقسم الشارع العراقي بين مؤيدين لحضانة الأب وآخرين لحضانة الأم. هذا الانقسام ليس فقط قانونياً، بل يعكس أيضاً التنوع الثقافي والديني والاجتماعي الذي يشهده المجتمع العراقي. ففي حين يرى البعض أن حضانة الأب هي الأفضل لضمان تربية الأطفال تربية صالحة ومستقرة، يرى آخرون أن الأم هي الأكثر تأهيلاً لرعاية الأطفال، خاصة في مراحلهم العمرية المبكرة.
هذا الجدل يطرح تساؤلات حول الأسس التي يجب أن تُبنى عليها قرارات حضانة الأطفال. هل يجب أن يكون الاعتبار الأول والأهم هو مصلحة الطفل، أم يجب أن تراعى تقاليد المجتمع العراقي التي تعطي الأفضلية للأب في بعض الأحيان؟ إن هذا النقاش يعكس أيضاً التوتر بين تحديث القوانين بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للمجتمع.
في خضم هذا الجدل، يُطرح سؤال جوهري: هل نحن فعلاً نسعى لتحقيق مصلحة الطفل؟ إذا كانت القضية الكبرى هي حماية حقوق الطفل، فلا ينبغي أن يقتصر النقاش على حضانة الأب أو الأم فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل حماية الطفل من كافة أشكال العنف والتعنيف التي قد يتعرض لها سواء كان تحت رعاية الأب أو الأم.
المجتمع العراقي لا يمكن أن ينكر انتشار ظاهرة العنف الأسري، التي لا تفرق بين الأب أو الأم في ممارستها ضد الأطفال. فهناك العديد من الأطفال الذين يعيشون في كنف والديهم ومع ذلك يتعرضون لأشكال مختلفة من التعنيف والإهمال. لذا، يجب أن يكون الهدف الأساسي ليس فقط تحديد من يجب أن يحصل على الحضانة، بل كيف يمكننا حماية الأطفال بشكل شامل ومستدام.
المفروض بنا كمجتمع أن نقف وقفة واحدة لتفعيل قانون حقوق الطفل بصورة عامة. لا يكفي أن نركز على من يجب أن يحصل على الحضانة بعد الطلاق، بل يجب أن نتبنى نهجاً شاملاً يضمن رعاية الأطفال منذ ولادتهم وحتى بلوغهم سن الرشد.
إحدى الأفكار التي تستحق النظر هي تسجيل كل طفل يولد في العراق لدى منظمة حكومية مختصة برعاية الأطفال، حيث يتم تعزيز دور وحدات حماية الطفل بشكل موسع، لتتولى متابعة حالة الطفل منذ ولادته. يمكن لهذه المنظمة أن تلعب دوراً مهماً في مراقبة تطور الطفل والتأكد من حصوله على الرعاية اللازمة، سواء كان تحت رعاية والديه معاً أو في حال حدوث الطلاق.
في حالة الطلاق، يمكن لهذه المنظمة أن تتولى الإشراف على رعاية الطفل من خلال تقاسم المسؤوليات بين الأب والأم. يجب أن يتم تنظيم هذه الرعاية بطريقة تضمن حصول الطفل على الدعم العاطفي والمادي الذي يحتاجه، دون أن يتأثر سلباً بالصراعات بين والديه. هذه الرعاية المشتركة يجب أن تُبنى على مبدأ أن كلا الوالدين مسؤولين عن تربية الطفل، وأنه لا يمكن لأي منهما أن يتخلى عن هذه المسؤولية.
إن النقاش حول تعديل قانون الأحوال الشخصية وحضانة الأطفال يجب أن يكون جزءاً من نقاش أوسع حول حقوق الطفل في العراق. يجب أن نتجاوز الانقسامات المجتمعية وأن نتفق على أن مصلحة الطفل هي الأهم. هذا يتطلب منا جميعاً، سواء كنا أفراداً أو مؤسسات، أن نعمل معاً لتفعيل قوانين تحمي الأطفال من كافة أشكال العنف وتضمن لهم بيئة صحية ومستقرة للنمو.
في نهاية المطاف، يجب أن ندرك أن حماية حقوق الطفل ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي مسؤولية اجتماعية وأخلاقية. نحن بحاجة إلى تطوير آليات جديدة لضمان أن يحصل كل طفل في العراق على الرعاية والحماية التي يستحقها، بغض النظر عن الظروف الأسرية التي يعيش فيها. هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجهنا، وهو التحدي الذي يجب أن نواجهه بشجاعة وحكمة من أجل بناء مستقبل أفضل لأطفالنا ولبلدنا.
اضافةتعليق
التعليقات