يخطئ الكثيرون حين يظنون أن التغيير يعني التوقف المفاجئ عن عادة سيئة أو سلوك غير مرغوب فيه. هذه النظرة تجعل من رحلة التغيير معركة خاسرة منذ البداية، لأن الإنسان لا يستطيع العيش في فراغ سلوكي أو نفسي. فحين نحاول كسر عادة ما من دون بديل، يظل الفراغ يضغط علينا حتى نعود إليها بشكل أقوى، وكأننا نُعيد ملء مساحة خالية بما هو مألوف حتى لو كان ضاراً.
الفراغ هنا هو العدو الخفي للتغيير. فالعقل البشري بطبيعته يبحث عن الروتين ويقاوم الفراغ، لأنه يرتبط لديه بعدم الاستقرار. لذلك، فإن الخطوة الأذكى ليست حذف العادة السلبية كلياً، بل استبدالها بأخرى إيجابية تحقق هدفاً مشابهاً أو تمنح شعوراً قريباً، لكن بطريقة صحية وأكثر فائدة.
على سبيل المثال، من يحاول التوقف عن التدخين يجد نفسه في مواجهة فراغ لحظات الانتظار أو الحاجة إلى الاسترخاء. إذا اكتفى بمحاولة الكفّ عن التدخين فقط، فغالباً ما يعود إليه تحت ضغط العادة. لكن لو استبدل تلك اللحظات بمضغ علكة خالية من السكر، أو بممارسة تمارين تنفس سريعة، فإنه يملأ الفراغ بسلوك بديل، ما يقلل فرص العودة إلى العادة القديمة.
الأمر نفسه ينطبق على العادات الغذائية. من يرغب في التقليل من تناول الوجبات السريعة لا يكفيه أن يمنع نفسه فجأة، بل يحتاج إلى بدائل واقعية مثل تحضير وجبات صحية سريعة التحضير تمنحه نفس الإحساس بالشبع والرضا. هنا يصبح الاستبدال أداة لإعادة توجيه السلوك بدلاً من مقاومته بالقوة.
علم النفس السلوكي يؤكد أن العادات تُبنى على دوائر متكررة من المحفز والسلوك والمكافأة. فإذا ألغينا السلوك السيئ دون أن نمنح الدماغ سلوكاً آخر يُشبع الحاجة ويؤمّن المكافأة، فإن الدائرة تظل ناقصة، ويستمر العقل في البحث عما يملأها. لذلك، فإن سر التغيير الناجح هو إدارة تلك الدائرة بحكمة، عبر استبدال السلوك لا محوه.
في النهاية، التغيير الحقيقي لا يعني محاربة النفس أو إدخالها في صراع مع الفراغ، بل يعني إعادة تشكيل الروتين اليومي بطريقة أكثر وعياً. حين نستبدل ولا نحذف، نمنح أنفسنا فرصة للاستمرار، ونبني عادات أكثر رسوخاً واستدامة. فالفراغ عدو التغيير، أما البديل الإيجابي فهو صديقه الأوفى.
اضافةتعليق
التعليقات