فن الدمى، عالم مفعم بالبراءة ينقلنا بين ثناياه إلى ذكريات الطفولة حيث صناعة العرائس وتحريكها، وعلى رغم ما نعاصره من الألعاب الالكترونية التي أخذت حيزا كبير في مخيلة الأطفال، غير أن مسرح فن الدمى ما زال يتمتع بشعبية كبيرة بين محبيه..
(بشرى حياة) كان لها هذا اللقاء مع الدكتورة زينب عبد الأمير الدليمي المختصة في مجال مسرح الطفل ومسرح الدمى لتنقل لنا جانبا من تجربتها في هذا المجال، حدثتنا قائلة:
يشكل مسرح الدمى وسيطًا امتاعيًا تربويًا وتفاعلياً بامتياز، وهو محببًا للطفل عبر أهم عناصره ومقوماته وهي (الدمية) ذلك الكائن المؤنس الأكثر اقناعاً للمتلقي الطفل والأكثر مرونة واستجابة لمخيلته وخصائصه العمرية فالدمية فضلاً عمّا تنتجه من صور بصرية وسمعية جمالية مبهرة عبر الحركة والإيماءة واللون والتكوين، تحمل في ثناياها قيم تربوية تسهم في بناء شخصية الطفل، إلى جانب تظافرها بالقيم الدراماتيكية لعناصر منظومة العرض البصرية منها والسمعية.
كما أن لمسرح الدمى الموجه للمتلقي (الطفل) دوراً بارزاً في اثراء قاموسه اللغوي ومعالجة ما لديه من مشاكل نفسية وعضوية مثل الخجل أو التأتأة أو الانطواء وغيرها.
السهل الممتنع
كانت طفولة زينب مفعمة بالحب والأمان في كنف عائلتها التي كانت تلبي هواياتها التشكيلية ومنها الرسم وصنع الدمى حيث تصنع دميتها الخاصة بنفسها بما يتوفر لديها من خامات كالقماش والأزرار والصوف وما شابه الأمر الذي جعلها تلتحق بكلية الفنون الجميلة قسم التربية الفنية لتكمل دراستها الأولية والعليا في هذا المجال تحديداً، وتعمل تدريسية في قسم الفنون المسرحية في جامعة بغداد وتشغل منصب رئيس المركز الثقافي العراقي للطفولة وفنون الدمى وممثلة المؤسسة العربية لمسرح الدمى وممثلة منظمة يونيما (الاتحاد الدولي لفنون الدمى) ورئيسة مركز يونيما في العراق، وبهذا فهي تكرس حياتها لهذا العالم الذي تصفه دوماً بالسهل الممتنع.
وحول ما اكتشفته في كواليس عالم الدمى قالت: من يعمل بمصداقية عالية للطفل، سيكون بلا شك طفلاً يشعر بما يشعر به ويتخيل ما يجول في مخيلته ليرتقي إليه، وهذا ما كنت ألمسه في كل عرض أقدمه من خلال العديد من المشاريع المسرحية، فضلاً عن خصوصيات حرفته التي تنمي ذائقة جمالية وشعوراً من نوع خاص لدى ممتهنيها على مستوى الصناعة والتمثيل والتأليف والإخراج، ذلك أننا نبث الحياة في كائن ساكن من خلال الخامات على مستوى التشكيل والأداء التمثيلي (الحركي والصوتي) ومستوى سينوغرافيا العرض لننتج فضاءات لا حدود لها في التجسيد أمام جمهور يضم ويجذب الكبير قبل الطفل.
فن تميزّ بالخصوصية
وحول ما يتميز به فن الدمى قالت عبد الأمير: إن فنون الدمى تتميز بخصوصية واشتراطات تجعلها تستقل عن غيرها من الفنون المسرحية منها والتشكيلية وفنون التصميم، فمن يجيد التعامل مع عوالم الدمى لابد من امتلاكه لأدوات ومهارات تجمع ما بين الخيال، والموهبة أو الخبرة التشكيلية (الرسم، التصميم، النحت)، فضلاً عن الخبرة المسرحية، كل هذه الاشتراطات تضمن استمرارية حضورها وتجددها على مستوى التشكيل والميكانيزم الحركي له والتمثيل، فضلاً عن خصوصية تأليف نص درامي يتعامل مع الدمى ويوصل رسالة هادفة من خلال عرض يسعى لتحقيق الامتاع البصري والفكري.
وعن رؤيتها لمستقبل هذا النوع من الفنون المسرحية في ظل ما يعانيه الوسط الفني بشكل عام قالت عبد الأمير:
أرى أن مستقبل هذا الفن مجهول ولعل أهم أسباب ذلك هو كم العراقيل التي تقف في طريقه، أولها ضعف الوعي بأهميته للطفل وحتى للكبار من متلقيه، فنحن إلى الآن لا نمتلك مقرراً دراسياً يكرس هذا النوع من الاختصاص في كليات ومعاهد الفنون الجميلة في العراق، كما نفتقد لخطوة تأسيس مركز وطني لفنون الدمى أو مسرح للدمى بالتناظر مع الكثير من الدول العربية ومنها مصر وتونس وسوريا ولبنان وغيرها.
وأضافت: لإعادة روح وتطوير هذا النوع من الفنون نحتاج للخبرات المسرحية في مجال الصناعة والتأليف والإخراج والتقنيات على مستوى الإضاءة والأزياء والمنظر المسرحي والإكسسوار والتقنيات الصوتية والموسيقى فضلاً عن التمثيل، وهذه الخبرات لا يمكن لها أن تتحقق إلاّ بتثقيف وتدريب الشباب من خلال عقد الورش والدورات التدريبية للمهتمين منهم في هذا المجال، فضلا عن استقدام ذوي الخبرات في الدول العربية والأجنبية إلى العراق للإفادة منها، وإنشاء مركز وطني لفنون الدمى في بغداد ومراكز فرعية مرتبطة به في كافة المحافظات، وادخال فنون الدمى كمقرر دراسي في معاهد وكليات الفنون الجميلة، ومن ثم اقامة المهرجانات المسرحية المتخصصة، لا العكس وذلك من خلال اقامة مهرجانات لمسرح الدمى يكون القائمين عليها والمشتركين فيها لا يمتلكون مهارات وخبرات مؤهلة لإقامة العروض.
كرنفال الدمى العملاقة
شاركت زينب بعروض كثيرة لمسرح الدمى على كل المستويات، كما ساهمت بصناعة العديد من الدمى للمسرح وللتلفزيون، كما خاضت تجربة الاخراج لعدة عروض، فضلاً عن خبرتها في مجال التمثيل عبر الدمى بأنواعها والتأليف المسرحي.
وأثمرت رحلتها الاكاديمية ومشوارها الفني مجموعة من مؤلفات تخصصية في هذا المجال منها كتاب (دروس في صناعة وتحريك الدمى) و( مسرح الدمى دلالات تربوية سيمائية) و(لعبة الظل والضوء) ومجموعة نصوص مسرحية تحت عنوان (رحلة زمن عبر الزمن) هذا وقد تولت ادارة صفحة (صفحة مسرح الدمى نيوز) عبر مواقع التواصل لتنقل من خلالها العديد من الورش التدريبية في صناعة الدمى بمختلف أنواعها والتمثيل للمتلقين العراقيين والعرب، إلى جانب استضافتها للعديد من المختصين لإقامة الجلسات الثقافية والجلسات النقدية وغيرها.
وساهمت الدليمي بإشراف اقامة عرض الكرنڤال المسرحي الخاص بالدمى العملاقة والذي قدّمه طلبتها من قسم الفنون المسرحية للمرحلة الأولى برعاية كلية الفنون الجميلة بهذا الجانب قالت:
يعد كرنفال الدمى العملاقة الأول من نوعه في العراق كونه فعّل أحد أنواع الدمى وهي (الدمى العملاقة) والتي تمت صناعتها بجهود ذاتية حيث شاركت بصناعته وقدمت ورش مختصة في مادة مبادئ التقنيات المسرحية لتثمر عن هذه الدمى العملاقة التي جسدت شخصيات مختلفة منها البغدادية وأبطال عروض من مسرحيات وليم شكسبير.
وأضافت: قُدّم العرض في شارع المتنبي ولاقى اعجاباً كبيراً من المتلقين من مختلف الفئات العمرية والمستويات الثقافية، كما تخلله عرض مسرحي من خلال الدمى العملاقة يعالج فكرة التصحّر، فضلاً عن المتعة البصرية والسمعية وضم فقرة عرض للسيرك قدمتها فرقة سيرك بغداد بقيادة الدكتور(قيس القرة لوسي) إلى جانب الأزياء والأقنعة المسرحية التي ارتداها الطلبة المشاركين.
وعن رأيها بهذه التجربة أشارت بالقول: تجربة مسرح الشارع للدمى العملاقة كانت ضمن مفردات الجانب العملي لمادة التقنيات المسرحية، وهي تجربة من نوع خاص متفردة بجماليتها كونها خلقت وعياً كبيراً لدى الجمهور بأهمية دور الدمى في مسرح الشارع من جهة، وغرست في نفوس من قدمها إيمان وحب ووعي كبير بهذا الفن الساحر من جهة أخرى.
وتابعت مؤكدة: نعم إنها الدمى التي بدأت فنونها من الشارع ورجعت إليه لتتحدى أحدث ما افرزته التقنيات عبر بساطتها وتلقائيتها.
الدمى ومسمياتها
وحول أسماء الدمى قالت زينب: لا حدود لهذا العالم من ناحية شكل الدمية وتشكيلها ولا لميكانزمات مفاصلها الحركية ولا لفضاءاتها حيث تتنوع أسمائها بين (دمى القفاز الفكية منها وذات الأصابع، دمى الماريونيت أو الخيوط، دمى العصى، دمى الممثل أو المرتداة، دمى خيال الظل، دمى الطاولة، الدمى المحمولة) وغيرها.
مسك الختام
وفي الختام تسعى الدليمي إلى حث الجهات المعنية للاهتمام بهذا الفن لدوره المؤثر، لاسيما كليات ومعاهد الفنون الجميلة في العراق من خلال تضمين مقرراتها بمادة مسرح الدمى وهذا بدوره يعزز من وجود هذا الفن ويضمن له مستقبل واعد، وإلى تأسيس مركز وطني لمسرح الدمى يستقطب المعنيين من مصممين وممثلين ومؤلفين ومخرجين، لتقديم عروض مسرحية موسمية تحتضن الأطفال ليساهم في بناء شخصيتهم وذائقتهم الجمالية ويكسبهم ثقافة الإنصات أثناء مشاهدتهم للعروض المسرحية، فضلاً عن تقديم عروض مسرحية للمتلقين من الكبار.
اضافةتعليق
التعليقات