في العاشر من شهر الله المحرّم، يقف المسلم وقفة تأمل عميقة أمام يوم عاشوراء. ليس يومًا عاديًّا في التاريخ، بل هو رمز لمعاني عظيمة؛ يومٌ اختلطت فيه الدمعة بالأمل، والألم بالصبر، والتضحية بالكرامة. وفي القلب من هذه الذكرى، تبرز سيرة الحسين بن علي، حفيد النبي ﷺ، الذي وقف في وجه الظلم، وصبر حتى لقي ربه شهيدًا، فصار رمزًا خالدًا لكل من ينشد الحق والعدل في وجه الباطل.
كربلاء.. لوحة الصبر الخالد
واقعة كربلاء لم تكن مجرد معركة، بل كانت امتحانًا لقيمة الصبر في أعلى درجاتها. لم تكن الغاية الانتصار العسكري، بل الانتصار القيمي. الحسين خرج مع أهله وأصحابه وهو يعلم يقينًا ما ينتظره من بلاء، ومع ذلك مضى بثبات. لم يضعف، ولم يتراجع، ولم يساوم، لأنه آمن بأن الصبر في سبيل الحق أعظم من الحياة في ظل الباطل.
لقد واجه الحسين وجيشه القليل الحصار، العطش، الجراح، ثم القتل، لكنه لم يتزحزح. صبره لم يكن سكوتًا، بل كان موقفًا، وكان استعلاءً إيمانيًا على آلام الجسد من أجل إرضاء الله ورفع راية الكرامة.
عاشوراء.. الصبر الذي يصنع الأمل
حين نتأمل عاشوراء، فإننا لا نكتفي بالحزن، بل نستلهم الأمل. فصبر الحسين لم يُذهب سدى، بل أيقظ ضمير الأمة، وأعاد تعريف الشجاعة والحق. من وسط الألم، وُلِد الوعي، وبقيت كربلاء تنير طريق كل من يريد أن يقف صامدًا أمام الفتن والظلم.
إن هذا الصبر لا يعني الخضوع، بل يعني التحمل والثبات دون تنازل عن المبادئ. ولهذا كان الحسين مدرسة في الصبر الواعي، الذي يفتح أبواب الأمل أمام الأجيال المتعاقبة.
دروس الصبر من عاشوراء
1- الصبر موقف إيماني: الصبر لا يعني الاستسلام للواقع المؤلم، بل مواجهته بعزة نفس وإيمان قوي أن الله لا يضيع أجر الصابرين.
2- الصبر لا يُضعف الإنسان بل يقوّيه: من يتأمل شخصية الحسين يجد أن صبره منحه قوة روحية هائلة، جعلته يواجه جيشًا عظيمًا بثبات لا يُصدّق.
3- الصبر لا يلغي الأمل بل يصنعه: مع كل ألم عاشه الحسين وأهله، كان هناك أمل بأن الدماء التي سُفكت لن تضيع، وأن الرسالة ستبقى.
4- الصبر طريق النصر المعنوي: عاشوراء علمتنا أن النصر الحقيقي ليس دائمًا انتصارًا عسكريًا، بل هو نصر المبادئ والقيم التي تبقى أبدًا.
الصبر في حياتنا: حاجتنا إلى كربلاء
كربلاء لم تكن حدثًا تاريخيًا فقط، بل هي مرآة لحياتنا اليوم. نحن نمرّ بظروف قاسية، بظلم أو همّ أو ابتلاء، ويأتي يوم عاشوراء ليقول لنا: اصبروا، فالصبر ليس ضعفًا، بل قوة. اصبر كما صبر الحسين، وثق أن الله يرى ويسمع ويعلم، وأن العاقبة للمتقين.
في العمل، في الأسرة، في المجتمع، في الدعوة، في الصراع مع النفس، نحتاج إلى صبر الحسين، إلى ثباته، إلى يقينه، لنواصل السير نحو الحق دون تراجع.
عاشوراء دعوة إلى الصبر والرجاء
عاشوراء هو يوم يعيد للأمة ذاكرتها الأخلاقية. يعلمنا أن الصبر ليس فقط على البلاء، بل على المبادئ، وأن الألم لا يعني الفشل، بل قد يكون بداية لنهضة. هو يوم يُنبت الأمل في قلوب الصابرين، ويُذَكّرنا أن الحق يبقى، وأن الكرامة تُصان بالصبر والثبات لا بالخنوع.
فليكن عاشوراء فرصة لنا لنتأمل في أنفسنا: كيف نصبر؟ وعلى ماذا نصبر؟ وهل نُشبه الحسين في صدقه وثباته؟ وهل جعلنا من صبرنا أداة لرفع الظلم عن أنفسنا وعن من حولنا؟
إنها مدرسة… مدرسة الصابرين.
اضافةتعليق
التعليقات