أنين من العراق الحبيب... إن يد الحرب تقطع ذرات شهيقه والدمار يخزن رصاصاً في زفيرهم وقطرات الحزن مخبأة في زنزانات أحلامهم المعلقة إلى إشعار آخر، انها بداية رحلة بحث النازحين عن ملاذ امن والتي خاضتها كل من ميساء وجنى حيث قالت الاخت الكبرى ميساء بعدما جففت ذرات دموعها:
قبل رحيلنا رحنا نبحث عن صوت أبوينا و إخوتنا بين كومات الحطام وشظايا الزجاج، منتظرين سماع أي حرف من شفاههم حتى صرخات الألم، فقط لنتأكد بأن قطرات الدم لازالت حية في أوردتهم، لكننا لم نجد لهم أي اثر، قد بخلت علينا دجلة بقطرات تسكت ظمأ بلعوم متخدش من كثرة الصراخ بحثا عن الأحبة، فبقينا جالستين على الركام ننتظر دورنا ألن يأخذنا الموت مثلهم لكن العكس قد حصل اقبل علينا جنود في مدرعات عسكرية علمت بعدها إنهم من رجال الحشد الشعبي.
فرحلنا والدماء تسيل من عروق الأحبة وسط ألغام الحرب ونيران الرصاص، رحلنا وجفاف الدموع يحقن أرواحنا سما، لم نستطع حتى أن نواري أجسادهم.
وختمت منار حديثها: ان الملاذ الوحيد الذي احتوانا بعد رحلة النزوح هي مدينة كربلاء المقدسة، وبعد التحرير كان يجدر بنا العودة لكني لا اعرف مصير أقربائي وكيف لي أن ارحل من هنا دون أن ألاقي أسرتي بانتظاري.
غربة وطن
قد كان البرد يأكل من أضلعهم لا يملكون غطاءا يهدأ عبثية الشتاء بلا معاطف بلا مدفئة كان الكرفان باردا ورطبا والعائلة تلوذ ببعضها لتكتسب الدفء.
هذا ما قاله أيهم عثمان ويضيف: كانت رحلتي مع عائلتي عصيبة وما زلت أقاسي وجعها، ففي فجر ذلك اليوم لذنا بالفرار أنا واسرتي للبحث عن مكان امن فانتقلنا من مكان إلى آخر، كنت اود ان ادافع عن ما املك لكن دموع امي المريضة وزوجتي واطفالي حالت دون ذلك فما عساي ان اصنع وانا وحدي بين جيش كاسر فالكثير قد استسلم لداعش وفتح بابه لهم، أحسست بالغربة وأنا في وطني وأقسى ما مررت به في رحلتي هو رحيل أمي فلكبر سنها ومرضها مع الخوف والبرد توفيت ونحن في المخيم قبل وصولنا إلى كربلاء، اكتفى أيهم بالسكوت وسقطت من عينه دمعة كان يورايها خجلا لكن حزنه على فراق أمه حال دون بقائها محبوسة.
"هاربين متسولين نازحين، سمونا كما تشاؤون" قالتها (ام أغاريد) بألم: ذبحوا الرجال ومعهم زوجي وتركوا النساء بعويلهن مع صرخات الأطفال، شهدت مصرع زوجي امام ناظري والغريب اني مازالت اعيش فأي صبر قد وهبه الله لي، لا اريد شيء سوى ان التمس الطمأنينة مصحوبة بركعتي الفجر في الصباح واعود الى بيتي .
"كنت مضطرا لهجرة الحياة المدنية التي كنت احبها"، استهل (اكرم ليث) كلامه بهذه العبارة ثم واصل حديثه: رحلت من مدينتي على الرغم عني، قضينا شهور في خيام النازحين، يؤرقني التفكير كثيرا بما مررت به قبل ان تطأ قدمي ارض كربلاء. وحينما حصلت على هذا الكرفان في مدينة كربلاء واطمئنت نفسي على اولادي قررت اللحاق بفصائل الحشد لكن القدر لعب دوره معي لربما هي ارادة الرحمن فقد خسرت ساقي في معارك تحرير جرف النصر واستبعدوني عن ساحة المعركة، ما عدنا ندري ما نقوله، وقد أصبح الموت أكثر وفرة من الحياة، فحتى الرحمة ماتت لفرط المآسي التي نشاهدها في أكثر من بلاد ليس فقط في بلدنا، ان موت الرحمة والرأفة في القلوب يجعل الإنسانية تلفظ أنفاسها الأخيرة.
العودة للحياة
الناشطة المدنية المحامية كوثر المسعودي قالت: بعدما اندلعت دوامة الارهاب في شمال عراقنا الحبيب بذلت الحكومة والكثير من المنظمات المدنية قصار جهدها في مد يد العون لهم ومساندتهم بكل ما يملكون من مستطاع.
وانا بزيارتي للمخيمات والكرفانات واجهت العديد من القصص التي تقشعر منها الابدان حول معاناتهم، وقد شهدت الكثير من المساعدات اليهم من جوانب عدة وبالاخص المخيمات فقد عمدت منظمات المجتمع المدني بانشاء ورش عمل لتعليمهم الخياطة او فن الرسم على الزجاج والسيراميك وامور اخرى من الممكن ان تقدم اليهم العون في ظل الظروف التي يواكبوها من تهجير واضطهاد .
وذلك ليس فقط لدعمهم ماديا إنما معنويا ولوجستيا فنحن نرى ان العمل هو وسيلة جيدة ومفيدة لتجاوز تلك المرحلة العصيبة .
وأضافت المسعودي: ما زالت هناك عوائل تعاني من معاناة الم الفراق لفقدان ذويهم في رحلة التهجير القسري، فنجد العائلة قد شقت إلى طرفين وكل طرف لا يعلم بالطرف الآخر ولا يتسنى لهم اللقاء بسبب الوضع الامني الذي فرض عليهم.
ختمت حديثها: اسأل الله عز وجل ان يخيم الأمان على بلدنا وتنزاح عنا سحابة الإرهاب التي اندثرت تحت سيلها الأبرياء، ونحن اليوم نشهد من قواتنا البواسل السعي بهذا الجانب لعودة الحياة الى مدننا الحبيبة.
ومن جهتها قالت رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في محافظة كربلاء المقدسة ليلى فليح: لقد سجلت محافظة كربلاء أعلى نسبة باستقبال النازحين وقد توصلت إلى استقبال ما يقارب 13691 عائلة نازحة وتم تسجيل بياناتهم وفق الشروط ، وبعد عمليات التحرير التي تخاض في الوقت الراهن تم إعادة أكثر من 700 عائلة نازحة أما في الوقت الحالي قد أغلق باب التسجيل منذ تاريخ 5/8/2015 لكننا ما زلنا نستقبل النازحين كواقع حال في كربلاء لكن بدون تسجيل وما زلنا نباشر بإيصال المعونات إلى العوائل المسجلة.
اضافةتعليق
التعليقات