كَبِرنا على أكاذيب كثيرة طوقت عنق أيامنا فأصبحت نهجا متوارثا نتلقاه من جيل إلى جيل عبر كلمات نسجت بسم بطيء يزيح الدين ويضع موضعه فرضيات تخطئ أكثر من أن تصيب حتى صدقها الجميع فطبقها الأغلب ومنها نشأت قطيعة الرحم ونبذ الوصال ورجم المحبة فشنقت على حبال الكراهية الفطرة البشرية.
حيث يحكى أنه ذات يوم مر ولي صالح من جانب نهر فرأى عقرباً يغرق فحاول انقاذه ولكن العقرب لدغه وسقط في الماء مرة اخرى، فاسرع نحو الولي شخص رأى ما حدث وقال له : ياشيخنا ماحاجاتك بهذا الهم سيعود ليلدغك مرة ثانية اتركه فالمساعدة الاولى لم تجدي نفعاً، ولكن الولي لم يصغِ لكلامه واعاد الكرة مرة اخرى ولكن هذه المرة امسك العقرب باحكام واخرجه ووضعه على الصخرة، ثم التفت للرجل وقال له: لكل شيء في هذا الكون طبيعة، وطبيعة العقرب ان يلدغ، وطبيعتي ان اساعد واخدم خلق الله، فكيف لي ان اسمح لطبيعته ان تغير من طبيعتي.
كذلك نحن كُلنا جُبلنا بطبائع مختلفة فان كان الاخرون لا يشابهوننا فهذه فطرة بشرية طبيعية فلسنا دمى خشبية تشابه بعضها والا لما اوجد الله الجنة والنار فلكل منهما نصيب منا، اما تلك الجمل الممزوجة بالسم التي من شئنها ان تغير طبيعة الانسان المحب مثل: (افعل خيراً، شراً تلقى)، ماهي الا اكاذيب طرحها بخيل الخلق وضيق الصدر الذي يرى انه يجب ان يتوقف فعل الخير عنده ولا يستمر الناس به كخلق حسن، وكذلك اكذوبة المثل القائل «الأقارب عقارب».
وقد تكون مشكلة هذا المثل في لغته التعميمية، وليس في حقيقة محتواه التي لها أساسها الموثوق في كتاب الله العزيز في قوله تعالى: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) [التغابن:14]، وهذا لا يتعارض مع مبدأ حق القرابة، ووجوبية وفضل صلة الرحم، وأهمية الارتباط بالأقارب ودورهم الأساسي والهام والمحوري في حياة الإنسان، فالأقارب ليسوا عقارب، وهم في نفس الوقت ليسوا ملائكة كما أننا نحن لسنا ملائكة معصومة، والصلة بين الأقارب وبذل المعاريف بينهم خلق نبوي والخلق النبوي خلق قرآني، فمواجهة الحياة والتعامل والتفاعل مع المجتمع بما فيهم الأقارب تحتاج للتوازن وعدم إصدار الأحكام العامة والمواقف الشاملة.
وإنما تحتاج إلى ثقافة الحياة بما فيها من جمال وعناء، وإحسانٍ وإساءة، فالناس نوعين نوع يتعامل مع الناس ونوع يتعامل مع رب الناس، وهذا لا يعني أنك تقبل بالأذى إذا كنت قادراً على تصديه، وأيضا لا يعني أنك ترد على الأذى بالمثل، بل المعنى إنه إذا سمحت لهم بتغييرك، سيكونوا قد غلبوك مرتين بسبب امثال ومبادئ لا تمت للدين بصلة وكلنا يعلم ان المقياس الحقيقي للحياة السليمة هو دين الله الذي ماغادرته صغيرة ولا كبيرة ولكن مبادئنا مدمرة للعقول والنفوس حتى تمزقت العلاقات بسبب أفكارنا واصبحت الوحدة وقطع الرحم ملاذنا والخير يقف عندنا بذريعة «افعل خيراً،شراً تلقى».
الحقيقة مغايرة افعل خيرا خيرا تلقى ان لم يكن من العباد فرب العباد هو من يعودها عليك ذاكرا هذا في محكم كتابه {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ۖ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} ، لذلك تذكر دوما لا يهم كم منحت وبالمقابل كم إساءة حصلت بسبب هذا المنح، المهم كم حسنة حصدت وكم سيئة من رصيدك مسحت وكم سوء قدر بسبب عملك للخير به دفعت وأبعدت، افعل خيراً وارمه بحراً، سترده لك أمواج الزمن يوماً أضعافاً مضاعفة، فخيراً تعمل، ستراً تلقى، أجراً تلقى، فرجاً تلقى، قد ينسى الناسُ ولكن اللهَ لا ينسى، ذّكر نفسك بأنك تتاجِر مع الله وليس مع البشر، والبشر هم أسباب وضعها الله في طريقك لتكون أفضل وأطهر نفسياً وروحياً.
اضافةتعليق
التعليقات