يوم الغدير، في الثامن عشر من ذي الحجة، ليس مجرد تاريخ في الذاكرة، بل هو محطة مفصلية في مسيرة الإسلام. في هذا اليوم، نصّب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بأمر إلهي صريح، علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليًا للمسلمين في غدير خم عام 10 هـ.
هذا التتويج الرباني جاء استجابةً لآية التبليغ الخالدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: ٦٧]. كلمات الرسول الأعظم في تلك الخطبة التاريخية لا تزال تتردد صداها: "مَن كُنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه"، لتتجسد البيعة الصادقة في قول الصحابة: "بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن". إنه يومٌ أشرق فيه نور الولاية، ليضيء دروب الأجيال ويُثبّت دعائم الدين.
رسالة للشباب: الغدير في حياتنا اليومية
أيها الشباب الواعد، يوم الغدير ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو دعوة عميقة للتأمل والعمل. إنه يومٌ يذكرنا بأهمية القيادة الصالحة، الوفاء بالعهد، والعمل الصادق لنصرة الحق. فماذا يعني الغدير لكم اليوم؟
* اكتشفوا عمق الولاية: لا تجعلوا معرفتكم بالولاية سطحية. ابحثوا، اقرأوا، تدبروا في سيرة الإمام علي (عليه السلام) ونهجه. ستجدون فيه قدوة في العدل، الشجاعة، الحكمة، والتفاني في خدمة الله والناس. هذه المعرفة ستُشكل بوصلتكم في الحياة.
* بادروا بالعطاء: الغدير يدعوكم إلى التكافل والإحسان. لا تنتظروا المبادرة من أحد، بل كونوا أنتم السباقين في مساعدة المحتاج، قضاء حوائج إخوانكم، ونشر الخير. تذكروا أن الدرهم في هذا اليوم يُعادل ألف درهم!
* عززوا الأخوّة: في زمن تُفرق فيه المصالح، يدعوكم الغدير إلى تقوية أواصر الأخوة في الله. المؤاخاة ليست مجرد كلمات، بل هي التزام بدعم ومساندة بعضكم البعض، التواضع، والنصيحة الصادقة.
* كونوا دعاة للحق: الإمام علي (عليه السلام) كان الحق معه حيثما دار. كونوا أنتم دعاة للحق والعدل في مجتمعاتكم. تحدثوا بالصدق، التزموا بالقيم، وكونوا قدوة حسنة لأقرانكم.
* أحيوا العبادات: استثمروا بركات هذا اليوم في الصوم والصلاة والدعاء. هذه العبادات ليست مجرد طقوس، بل هي وقود للروح، تُقوي إيمانكم وتُثبت قلوبكم على الحق.
تذكروا أن الغدير ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو دعوة مستمرة للخير، للاتصال بالله، ولتجديد العهد مع مبادئ الولاية التي تُشكل أساس هدايتنا ونجاتنا.
ميثاق حيّ وبركات دائمة
يوم الغدير إذن ليس مجرد ذكرى تاريخية تُستعاد كل عام، بل هو ميثاق حيّ يجدد صلة المؤمن بالولاية الإلهية، ويُعمّق فهمه لمعنى القيادة الربانية. إنه اليوم الذي نسمع فيه مناديًا ينادي للإيمان، فنُجيب بقلوب صادقة: "اللهم إنّا سمعنا منادياً ينادي للإيمان... فآمَنَّا برسولك وصدقنا مولا المؤمنين".
إنه يوم "مرضاة الرحمن ومرغمة الشيطان"، تتجسد فيه أسمى معاني الإيمان والولاء. تجتمع فيه بركات الصيام والصلاة وصلة الرحم، ليكون تجسيدًا عمليًا لقوله تعالى: {ورضيت لكم الإسلام ديناً} [المائدة: ٣]. فلنجعل من يوم الغدير انطلاقة جديدة نحو حياة أفضل، أكثر إيمانًا، عطاءً، والتزامًا بمبادئ ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، لكي نكون من الذين يحظون بالخيرات والبركات التي تتجلى في هذا اليوم العظيم.
اضافةتعليق
التعليقات