لقد وصلت إلى مرحلة عمرية تُسمّى "المراهقة".
عندما كنت أصغر سنًّا، كنت أسمع هذه الكلمة التي كوّنت في ذهني علامة استفهام عن معناها، وعن سبب تداولها في تلك الفترة بين أمي وأبي، وفي المدرسة، وأينما ذهبت.
وكنت لا أعرف عنها شيئًا، حتى سألت أمي عنها، فأجابت قائلة: "إنها فترة عمرية يمر بها كل إنسان، تبدأ من عمر الثانية عشرة حتى الثامنة عشرة، يتغير فيها تدريجيًّا ويكبر، ويطرأ تغيير في شخصيته وعقليته وصوته وملامحه الجسدية وحالته النفسية، نتيجة للتغيرات الهرمونية".
فأخذت نبذة عنها لإسكات فضولي.
مرّت السنوات، وها أنا أمر بها، وقد بلغت الخامسة عشرة من عمري، وبدأت أشعر بهذه التغيرات أكثر فأكثر. وكما سمعت ورأيت - بحكم أن لي إخوة أكبر مني - فإننا في هذا الوقت نفعل أشياء غريبة نوعًا ما، منها الغموض، والعزلة، ومحاولة إثبات الذات، والتمرد على الوالدين، وغيرها...
إلا أن أكثر ما كان يزعجني سماعه هو عصيان الله، وكنت أقول إنني لن، ولم، أقُم بأيٍّ من هذه الأمور بتاتًا، حتى جاء ذلك اليوم، وبدأت باقتراف تلك الأخطاء والذنوب.
ولأنني كنت أحاول أن أكون أفضل، فلا بد لي أن أبحث وأستفسر عن كيفية التحسّن.
قمت بمشاهدة الكثير والكثير من الفيديوهات، وقرأت الكتب، واستمعت إلى أكثر من بودكاست.
وبالطبع استفدت من جميعها، إلا أنني فكّرت بطرح سؤال على من حولي، واحدًا تلو الآخر، لأستمع إلى آرائهم ونظرياتهم، وكان سؤالي للجميع:
(قدّم لي نصيحة استفدتَ منها طوال حياتك).
هنالك من نصحني بقراءة الكتب، وهناك من قال بالدراسة، وأيضًا من تهرّب من الإجابة.
لا عليكم، المهم أنني قد اصطفيت نصيحة من بينهن، ألا وهي: (……)، سأقوم بكتابتها بعد قليل.
في إحدى الليالي العائلية في بيتنا، وبمنتصف الضوضاء، سألت أبي العزيز - حفظه الله لنا - ذات السؤال.
هو لم يسمع ما تفوّهت به جيدًا، فترك كل شيء، والتفت إليّ، وقال:
"ماذا قلتِ؟"، فكرّرت سؤالي ذاته، وقد عمّ الصمت في مجلسنا ليستمعوا إلينا، فأخذ أبي وهلة ليفكر، حتى أجابني أجمل إجابة، وها قد عدتُ لكتابتها كما قلت لكم، فقال:
"الالتزام الديني"، وصمت قليلًا، ثم أكمل قائلًا:
"كل شيء يكمن في الالتزام بالدين الحنيف، من نجاحك في الحياة الدنيا وحتى الآخرة، فإنه يجمع كل شيء جميل، ويُبغض كل شيء قبيح أو مكروه، ويعلمنا أمورًا عظيمة، قد نخسر خسارات فادحة في عمرنا لعدم معرفتها".
لم أفكر في كلامه كثيرًا، وقمت بتدوين النصيحة مثل سابقاتها كي لا أنساها.
ومرّ الوقت، حتى كنت أبحث ذات مرة عن فيديو يشرح كيفية الالتزام بجدول الروتين اليومي الذي قد خططتُ له، ووضعت فيه أوقاتًا معيّنة لإنجاز المهام المتراكمة بسبب التسويف، فأحد النقاط التي ذُكرت كانت:
"الالتزام بالصلاة".
قال صاحب الفيديو:
"إنها أهم نقطة، فهي تُعلمنا الالتزام بالوقت، وتحقيق - حتى لو جزء - من المهام، وترتّب لنا أعمالنا تلقائيًا حسب أهميتها."
تذكرت حينها كلام الوالد، وفكّرتُ مليًّا بعد...
كان أكثر من حوار دار بيني وبين أمي حول موضوع الصلاة، في كل يوم.
وبالرغم من توجيه الأهل، إلا أنني كنت: أصلي، ثم أترك، ثم أعود، ثم أترك.
وهذا ما جعلني أفهم أن أخطاءنا لا تعود بالذنب على الوالدين أبدًا.
صحيح أن عليهم عاتقًا ومسؤولية في هذه الأمور، إلا أنهم قد قاموا بواجبهم تجاهنا، فما الذي بوسعهم فعله بعد ذلك؟
وما يكاد يقتلني ضجرًا وغضبًا هو لوم الناس للوالدين على تصرفات أبنائهم.
ويبقى في نفسي أن أقول لهم:
إن النصف علينا، والنصف عليهم. إن لم نقم نحن بالمبادرة، والقيام، والالتزام بما قاموا بتوجيهنا لفعله، فلن يتغير شيء أبدًا.
فحتى الأنبياء عجزوا عن إصلاح بعض أبنائهم، مثل نبي الله يعقوب، الذي قام أبناؤه برمي أخيهم النبي يوسف في البئر، وكذلك نبي الله نوح، وغيرهم من الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين).
لنعِد بناء أمة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سويًّا، ومن خلال تغيير أنفسنا أولًا، وأن نعود إلى أصلنا، ونترك تقليد الأجانب.
فلنُقلّد أهل البيت (عليهم السلام)، ونقتدي بأخلاقهم، ونتصف بصفاتهم، ونترك العصيان، ونتوب إلى الله تعالى، ونرجع إليه، إنه توّاب رحيم، يغفر لنا ذنوبنا لو كانت كزبد البحر...
اضافةتعليق
التعليقات