كرامةٌ تمشي على جراحها. هناك مواقف تجعل الإنسان في حيرةٍ غريبة، حيث يرى الأمور بشكلٍ آخر، بصورةٍ عجيبة، لم يتوقَّع أن يحدث الأمر هكذا.
وهنا يتذكر ما ورد في كتابنا العزيز:
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)
ربما في الوهلة الأولى يندهش المرء من دقة الوصف، ولكن بمرور الزمن يرى نماذج كثيرة تمثل هذه الآية بأدق تفاصيلها.
ولكن، ماذا علينا أن نعمل في ظل هذه التحديات، والحروب، والمآسي، والمصائب، والوجوه الغريبة التي نراها ممن حولنا؟
كيف ننجو؟
هل علينا أن نُجيب الإساءة بالإساءة؟
والفتنة بالفتنة؟
أم علينا أن نبتعد وننجو بأنفسنا؟!
ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام):
"من أكرمك فأكرمه، ومن استخفَّك فأكرم نفسك عنه."
أي: إذا عاملك شخص باحترام وتقدير، فردَّ عليه بالمثل، فأكرمه كما أكرمك. هذا خلق متبادل مبنيٌّ على الشكر وردّ الجميل.
و"من استخفك فأكرم نفسك عنه"؛ أي إذا استهان بك شخص أو قلَّل من قدرك، فلا تُقابله بالمثل، ولا تُنزل نفسك إلى مستواه بالرد عليه بالإساءة، بل ابتعد عنه واحفظ كرامتك.
إكرام النفس هنا يعني أن تترفّع عن الجدال مع من لا يُقدّرك، وتحافظ على شرفك وهيبتك. فالحديث يجمع بين الوفاء لمن أحسن، والترفع عن من أساء.
أحيانًا يُجبَر المرء على الرحيل كي ينجو بنفسه. أحيانًا يتجرّع كأس المرّ ويبتسم كي يمرّ بسلام. أحيانًا يجب أن يتألم كي لا يفقد روحه، ويحفظ بقاياه. وهنا يكمن الكثير والكثير من الصبر.
لذلك نرى ديننا الحنيف يحثّ المؤمن على حفظ كرامته، وعدم الخوض في جدال لا فائدة فيه، أو في بقاءٍ لا كرامة فيه.
لذلك يقول:
"وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا."
فالعلاقة مبنيّة على الأخذ والعطاء، والاحترام المتبادل. إن فُقد من جانبٍ، فستفقد العلاقة جوْدتها وجوهرها. وفي هذه الحالة، لا فائدة تُرجى منها.
لذلك، عندما يرى الإنسان أنه لا توجد آذان تسمعه، ولا قلوب تفهم لِمَ خُرِقَت السفينة وخُرِّب الجدار، لابدّ من الرحيل… هناك أناس كرماء ينتظرونك بفارغ الصبر ليقدّموا لك ما تستحق، فلا تنزف نفسك.
اضافةتعليق
التعليقات