إن كتاب الله يكشف لنا حقيقة أعدى اعداء بني البشر بعد نفسهم الامارة بالسوء -كما تعبر الروايات- حيث ترينا صور عديدة ومشاهد عجيبة عن المستقبل في عالم الاخرة الذي سنلقاه جميعاً، ومن هذه الصور هو موقف الشيطان من بني ادم حيث يصرح بذلك اليوم الذي لا ينفع فيه الندم عن حقيقته كما في قوله تعالى:﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (إبراهيم :22)، ففي هذه الآية اربع حقائق يكشفها لنا وعلينا الالتفات اليها الان لكي لا نكون ممن يصدم بها في ذلك الموقف الذي لا ينفع عنده الندم:
الحقيقة الاولى: صاحب الوعد الحق من هو؟
حيث يكشف لنا عن حقيقة وعوده الكاذبة التي كان يوسوس لنا بها عبر خطواته التي يأخذنا بها نحو الهاوية، بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾، فالبشر صنفان في عالم الدنيا هناك المؤمن الذي يصدق بوعد الله كما في قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾(الأحزاب :22)، وهناك المنافق ممن يتبع وعد الشيطان كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾(الأحزاب :12).
الحقيقة الثانية: السلطة الحقيقية لمن هي ؟
حيث يعترف إن سلطة الله تعالى هي الحقيقية، وما سلطة الشيطان إلا وهم، كما في هذا الجزء من الآية ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ﴾، فالذين ليس للشيطان عليهم سلطان لهم مقومات منها:
١- الايمان والتوكل على الله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾(النحل:99).
٢- أهل التقوى والذكر الكثير لله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾(الاعراف:201)، فهؤلاء في دار الدنيا عرفوا هذه الحقيقة فلم يتبعوا سلطانه.
وبالمقابل الذين للشيطان سلطة عليهم:
١- الغاويين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر:42).
٢- الذين يتولونه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ...﴾ (النحل :100).
٣- اهل الشرك، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾(النحل:100).
الحقيقة الثالثة: هل الإنسان كان مخير ام مجبر في الاستجابة لدعوة الشيطان؟
في هذا المقطع من الآية نعرف الجواب، قال تعالى: ﴿إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ فالإنسان لا بد له من أن يختار إما أن يستجيب لله عز وجل، او لشيطان! وكتاب الله يبين إن مظهر الاستجابة لدعوة الله تكون من خلال الاستجابة لدعوة الرسول(صلى الله عليه واله) التي بها نبلغ الحياة الحقيقية الطيبة في الدنيا والخالدة في الاخرة، كما في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...﴾(الأنفال :24)، فالنتيجة واضحة إن من يختار الاستجابة لدعوة الشيطان فهو يختار الموت المعنوي والهلاك الاخروي بطبيعة الحال!!
ولغلق هذه النافذة (الاستجابة للشيطان) قبل أن يطرقها هذا العدو هو أن يملك الانسان هذا المفتاح الذي هو في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾(البقرة :208) أي أن نحصن انفسنا في الدخول بولاية الله المتمثلة باتباع نبي الرحمة(صلى الله عليه واله) وعترته (عليهم السلام) من بعده(فهم السلم كما في الرواية في تفسير هذه الآية).
الحقيقة الرابعة: إن الشيطان ضعيف ومع ذلك الانسان يراه قويا فيضعف أمامه
وهذه الحقيقة يمكن أن نفهمها بـ﴿ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم﴾، فإن حالات الضعف في النفس التي تجعل الشيطان يتوجه لإضلال الانسان ويجعله قابل للاستجابة لدعوته الانسان نفسه يهيئها وبإرادته لا يقاومها فيجعله ضعيفا إمام الشيطان ومنها:
١-الافك والاثم، قال تعالى: ﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221)تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(200) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾ (الشعراء:222).
٢-التبذير، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ...﴾(الاسراء:27).
٣-الرياء والايمان الناقص، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَـنُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قَرِيناً﴾(النساء:38).
٤-الذين لا يقولون الحسنى، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ (الإسراء :53).
٥-الذين في قلوبهم مرض، والقاسية قلوبهم، قال تعالى: ﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ (الحج:53).
٦-الجلوس مع القوم الظالمين، الذين يخوضون في آيات الله باستهزاء والاباطيل، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(الأنعام:68)، فعن الامام علي (ع) :"مجالسة اهل الهوة منساة للإيمان ومحظرة للشيطان".
الحقيقة الخامسة: في نهاية الأمر هو يتخلى عن أتباعه ويتبرأ منهم
بقوله تعالى: ﴿مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
فهو سيكشف إنه ضعيف إلى درجة إنه غير قادر أن ينجو بنفسه! فكيف يكون شفيع أو منجي لمن أتبعه؟! بل ويتبرأ من افعالهم، فكل ما فعله هو حسداً وحقداً منه لبني آدم لكي يجعل مصيرهم كمصيره، ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الأعراف : 16)، فكما هو ظالما لنفسه حيث لعن وطرد من رحمة الله، أراد أن يجعلهم ممن ظلم نفسه بعدم طاعة أوامر ربه.
اضافةتعليق
التعليقات