لازلت اتذكر نظراتها البائِسة.. ملامحها الرثّة و قلبها التعب، وذلك الاحساس الدافىء الذي تحول الى بقايا موت.. فكل مافيها كان لا يمت بالحياة بصلة.
فعندما كنت أراقبها وهي تلبي طلبات زوجها و كأنها أوامر تلقتها من رب العمل! دون اي ود او حب. استغربت من ذلك كثيراً.. بادرتها بالسؤال عن السبب.. فكان الرد كصاعقة مميتة، كَهْرَبَ فؤادي!.
ماذا أقول لكِ يا رفيقة.. احاول مجاراة طلباته كخادمة لا اكثر، فواجبي له كحبيبة انتهى منذ زمنٍ طويل.. فما كان في ايسر الصدر، قد مات! و شيعت حبه الى مثواه الأخير. ففي كل مرة كنا نتجادل انا وهو او حتى مع أمه كان ينتهي المطاف بي كجسدٍ يضرب و يمسح كرامته في ارضية الذل.. حتى غدوت كجثة هامدة تعيش على قيد الموت. وما يؤلمني حقاً ليس وجع الضرب، بل وجع العاطفة.. ففي كل مرة كان يصفع بها خدي، كانت تُجلد روحي الف مرة، حتى نزفت حبه شيئا فشيئا... و لم يتبقَ له ايةِ حب!. نحن لم نتطلق شرعياً او رسمياً، و لكننا تطلقنا عاطفياً.. فالرابط الوحيد بيني و بين هذا الرجل هم اولئك الأطفال الصغار الذين لا ذنب لهم، و كما اني متيقنة بان عائلتي لن يستقبلوني وانا احمل كنية "المطلقة".
ها انا ذا اتجرع المرار، بعدما ماتت عاطفتي... مع اني لا أنكر محاولاتي الكثيرة في سقي القلب بماء الحب، ولكنه ما ارتوى ابدا.. لانه مات من الجذور يا رفيقة... مات من الجذور!.
هذه هي حالة سهى.. و حالة الكثير مِن الفتيات في الوطن العربي اللاتي يتعرضن للتعسف و الاضطهاد من قبل أزواجهن، إمرأة بزهوِ العشرين تعيش حالة الموت العاطفي! و لان البيوت اسرار.. فما كان خلف الجدارِ اعظم!.
و لأننا في مجتمع إسلامي.. فعندما نعود الى الآية الكريمة التي حلل فيها الله ضرب الزوجة: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ).
علينا تدبر الآية جيدا، فإذا كان اللهُ تعالى قد شرّعَ وأباحَ ضرب الزوجة، فهو عزّ وجل قد جعله خياراً أخيرا تراتبياً في تمرحله السلوكي يأتي بعد العجز عن نصح الزوجة الناشز والخارجة عن طاعة زوجها وهجرانها في الفراش وعدم القدرة على إصلاحها.
وليس خيار الضرب هو خياراً مُطلقاً مفتوحا يُمارسه الزوج في كل خلاف مع زوجته، لا بل هو مُحدد شرعاً في صورة إمتناع الزوجة من تمكين زوجها من نفسه.. فنجد هنا إلى أنَّ مشروعية وجواز ضرب المرأة هو خيار شرعي إستثنائي إضطراري أخير. لذا لا يجوز شرعا إستغلال ذلك في ممارسة العنف ضد الزوجة أو ضربها من دون مُبررٍ شرعي كالنشوز مثلا. فضرب الزوجة إنما يكون في حالٍ لو فقد الزوج الهيمنة التدبيرية لزوجته، وتمردتْ هي بصورة لا تُطاق شرعا وعرفا وتخرج عن حد كونها زوجة مُطيعة لزوجها.. إذاً لا يحق للزوج إدماء جلد الزوجة اوضربها على وجها او رأسها. اذ روي عن أبي جعفر الإمام الباقر: عليه السلام:(الضرب بالسواك)، زبدة البيان: المحقق الأردبيلي: ص 537.
و قد طرحنا هذا الموضوع على نساء متزوجات لمعرفة الآراء المختلفة وان كان قد تعرضن الى الضرب ام لا، فكان جواب السيدة نجلاء:(مر على زواجي عقدين كاملين و لا أنكر بان زوجي هو رجل عصبي جداً.. وقد ضربني مرات عديدة في السنوات الاولى من زواجنا بسبب عنادي، او لاني كنت ارفع صوتي عليه احيانا، او اخالف أوامره و اخرج من البيت دون اذنه، ولكني غيرت من نفسي كثيراً من اجله.. اما هو فبقي على حالته القديمة لسنوات كثيرة.. وباتَ يضربني ظلماً لرضى أمه وأهله.. فكنت أكرهه كثيراً حينها، خصوصا عندما كان يضربني من اجل شخص معين، كان ينزل من عيني اكثر فأكثر، و كنت افقد الشعور بالامان معه!).
وعندما وجهنا السؤال للأخت منال، كان جوابها: (قبل اربع سنوات كنت متزوجة من رجل مجنون، كان يضربني بطريقة وحشية..لأسباب تافهة جدا، كان يضربني لدرجة الإغماء حتى اني كنت انقل الى المشفى من كثرة الالم. فبعد اخر ضربة تعرضت لها لاني كسرت صحناً من الصحون الزجاجية! كسر عضد يدي جراء فعلتي الغير متعمدة هذه، فأنصفتني المحكمة و تطلقت من هذا الوحش، وبعد سنة من طلاقي.. تزوجت رجلا يخاف الله بي، فعوضني الله بانسان مؤمن و متفهم و رزقني الله منه طفلاً يشبه الملاك).
اما رأي السيدة رويدة رضا فكان: (مر على زواجي فترة طويلة جداً.. قرابة الأربعين عام، لم اذكر يوماً بان زوجي قد ضربني ابدا.. واعتقد بان السبب يعود لتفاهمنا و نضوجننا الفكري.. وعلى الرغم من المشاكل التي كانت بيننا الا انني كنت لا احاول مجادلته في الأوقات التي يغضب فيها او يفقد السيطرة على أعصابه.. كنت اسكت و لا انبس ببنت شفه، و أغادر المكان فوراً.. وعندما كان يهدأ كان يشكرني على ردة فعلتي العاقلة، و معاملتي الراقية و الذكية معه في ساعات غضبه).
اما عندما أخذنا رأي رجل.. لمعرفة رأيه في العنف الذي تتعرض اليه المرأة من قبل زوجها كان رده : (انه شكل بدائي للتحضر البدني والعقلي الذي وصل اليه الانسان في الالفية الثانية لذلك ارفض وبشدة كل انواع العنف ضد اي مخلوق خلقه الله سبحانه وتعالى، فماذا نقول عن العنف ضد اجمل مخلوق على وجه الارض وهي المرأه فنحن نرفض ذلك وبشكل قاطع).
كما نعلم جيداً بان مفتاح كل رجل... إمرأة، اذاً عليها ان تتقن فن وسياسة التعامل مع زوجها، فلا تحاول ان تشعل نيران الغضب او ترفع صوتها عليه..لان الغريزة الرجولية لا تسمح باي امرأة ان ترفع صوتها او تقلل من شأن الرجل، فبهذه الحالة ستكون ردة فعل الرجل قوية تجاه المرأة.. وستفقد هي احترامها بالمقابل. كما ان الحياة الزوجية هي عبارة عن تنازلات.. فعندما يغضب الرجل على المرأة ان تهدأ و تخفف من روعه.. و عندما تنزعج المرأة على الرجل تفهمّها وان يقابلها بحسن المعاملة، لان الاسلام هو اصل الاخلاق والاحترام و الذي يحثنا على العادات السامية و احترام الانسان للانسان. و الضرب موضوع غير اخلاقي ابدا بل يعكس صورة همجية حيوانية، و اثاره النفسية اكبر بكثير من اثاره الجسمية.
وكما يقول (مارسيل بوازار) وهو مفكر وقانوني فرنسي،
و الذي يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام) علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام، مشيرا إلى طريقة تعامل الإسلام مع المرأة: إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه متساوية) وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية، ويقدم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتماما شديدا بضمانها.
فالقرآن والسنة النبوية يحضان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف، وقد أدخل مفهوما أشد خلقية عن الزواج، وسعيا أخيرا إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددا من الطموحات القانونية والملكية الخاصة الشخصية، والإرث).
فان الله جل جلاله انصف المرأة و رفع شأنها و وصفها بالقارورة.. لرقة قلبها و احساسها، فكيف لرجل ان يضرب هذا الكائن الحساس و يقلل من شأنه!.
كما اننا نجد الكثير من العلاقات الزوجية ان ما انتهت بالطلاق الرسمي فستنتهي بالطلاق العاطفي بسبب حالات الاهانة و الضرب.. نتيجة حالة الكرة التي تصل اليها الزوجة، بسبب سوء المعاملة.. كما ان الاحترام بين الطرفين، هو العنصر الأساسي لنجاح اي علاقة، خصوصاً العلاقة الزوجية... والذي لو فقدت، فقدت قدسية العلاقة و باءت بالفشل!.
اضافةتعليق
التعليقات