يعاني البعض من عدم القدرة على تجنب بعض الذكريات المؤلمة أو الأفكار السيئة، مثل عدم القدرة على تجنب تذكر شريك الحياة بعد الانفصال عند تخطي زاوية شارع ما، أو يواجه الشخص أفكارا غريبة أو غير مقبولة أو خاطئة، على سبيل المثال، أن يتخيل نفسه بينما يقطع إصبعه أثناء الطهي أو أن طفله يسقط أرضًا أثناء حمله إلى سريره.
طرح موقع Live Science سؤالًا حول ما إذا كان من الممكن إبعاد الأفكار غير المرغوب فيها عن الذهن؟ وتعد الإجابة القصيرة والسريعة هي نعم ربما يمكن تجنبها. ولكن ما إذا كان من المستحسن القيام بذلك على المدى الطويل فهو أمر أكثر تعقيدًا.
قال جوشوا ماغي، عالم النفس الإكلينيكي، الذي أجرى بحثًا عن الأفكار والصور غير المرغوب فيها والحث على الاضطرابات العقلية، إن أفكار الناس أقل تركيزًا بكثير، وهي أقل بكثير من السيطرة، مما يتخيله الكثيرون. ففي إحدى الدراسات الشهيرة، التي نُشرت عام 1996 في دورية "التداخل المعرفي: النظريات والأساليب والنتائج"، والتي قام بإعدادها الباحث إريك كلينغر، الأستاذ الفخري لعلم النفس في جامعة مينيسوتا، قام المشاركون بمتابعة جميع أفكارهم على مدار يوم واحد. في المتوسط، أبلغ المشاركون عن أكثر من 4000 فكرة فردية، عبارة في معظمها عن أفكار عابرة، أي لم تدم أي منها لأكثر من خمس ثوانٍ، في المتوسط.
قال ماغي: إن "الأفكار تنحسر وتتدفق باستمرار، والكثير منا لا يلاحظها". في دراسة عام 1996، بدا أن ثلث هذه الأفكار ظهرت تمامًا من العدم. وأضاف ماغي أنه من الطبيعي أن تراود المرء أفكار مزعجة. في دراسة أجراها كلينغر وزملاؤه في عام 1987، رأى المشاركون أن 22٪ من أفكارهم غريبة أو غير مقبولة أو خاطئة - على سبيل المثال، يمكن أن يتخيل الشخص نفسه وهو يقطع إصبعه أثناء الطهي أو يسقط طفل بينما يحمله إلى سريره.
في بعض المواقف، من المنطقي قمع هذه الأفكار غير المرغوب فيها. في امتحان أو مقابلة عمل، على سبيل المثال، لا يريد المرء أن يشتت انتباهه بالالتفات إلى فكرة أنه سيفشل. في رحلة طيران، ربما لا يريد التفكير في تحطم الطائرة. قال ماغي إن هناك أدلة على أنه من الممكن القضاء على هذه الأفكار.
في دراسة أجريت عام 2022 ونُشرت نتائجها في دورية PLOS Computational Biology، أظهرت النتائج أن 80 مشاركًا قاموا بمتابعة سلسلة من الشرائح تعرض أسماء مختلفة. تم تكرار كل اسم في خمس شرائح مختلفة. أثناء مشاهدة الشرائح، قام المشاركون بتدوين كلمة ربطوها بكل اسم، على سبيل المثال، تم تدوين كلمة "الطريق" عطفًا على كلمة "سيارة". سعى الباحثون لمحاكاة ما يحدث عندما يسمع شخص ما أغنية عاطفية على الراديو ويحاول يائسًا التفكير في أي شيء آخر غير شريك الحياة السابق.
كشفت النتائج أنه عندما رأى المشاركون كل اسم للمرة الثانية، فقد استغرقوا وقتًا أطول من المجموعة الضابطة للتوصل إلى ارتباط جديد، مثل "إطار" بدلاً من "طريق"، على سبيل المثال، مما يشير إلى أن ردهم الأول ظهر في أذهانهم قبل أن يحل محله. تأخرت ردودهم بشكل خاص على الكلمات التي صنفوها على أنها "مرتبطة بقوة" بالكلمة الرئيسية في المرة الأولى. ولكن كان المشاركون أسرع في كل مرة يشاهدون فيها نفس الشريحة، مما يشير إلى ضعف ارتباطهم بين الكلمة الرئيسية واستجابتهم الأولى، أي الصلة التي تحاكي الفكرة التي كانوا يحاولون تجنبها.
قال الباحثون إنه لم يتم التوصل إلى دليل "على أن الشخص يمكنه تجنب الأفكار غير المرغوب فيها تمامًا". لكن النتائج تشير إلى أن الممارسة يمكن أن تساعد الأشخاص على التحسن في تجنب فكرة معينة.
نتائج عكسية
لا يتفق الجميع على أن عرض الشرائح للكلمات العشوائية هو وسيلة جيدة لاستنباط كيفية قيام البعض بقمع الأفكار المحملة بالعاطفة، كما ذكرت Medical News Today. وتشير أبحاث أخرى إلى أن تجنب الأفكار يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. قال ماغي: "عندما نقمع فكرة، فإننا نرسل لأدمغتنا رسالة". يصف هذا الجهد الفكر بأنه شيء يجب الخوف منها، و"في الجوهر، نحن نجعل هذه الأفكار أكثر قوة من خلال محاولة السيطرة عليها".
تأثير قصير المدى
توصلت نتائج دراسة تحليلية لـ 31 دراسة مختلفة حول قمع الفكر، نشرتها دورية Perspectives on Psychological Science في عام 2020، إلى أن قمع الفكر يحقق نتائج وتأثير على المدى القصير. بينما كان المشاركون يميلون إلى النجاح في مهام قمع الأفكار، برزت الفكرة، التي تم تجنبها في رؤوسهم، في كثير من الأحيان بعد انتهاء المهمة.
في النهاية، يرى الخبراء أنه ربما يكون من المنطقي اتباع نهج يقظ في التعامل مع الأفكار غير المرغوب فيها والانتظار ببساطة حتى تمر بدلاً من محاولة تجنبها، تمامًا مثلما هو الحال مع آلاف الأفكار الأخرى التي تتجول في رأس كل إنسان يوميًا، أي أنه يمكن السماح لمثل هذه الأفكار بأن تتواجد في الذهن فقط، دون السعي إلى قمعها ونسيانها بشدة، لأنها تحصل على مساحة أكبر في هذه الحالة. حسب العربية
من دافنشي لستيف جوبز.. كيف تتولد أفكار المبدعين؟
الأهم من "الفكـرة العبقـرية" هو كواليس إيجاد هذه الفكـرة. بلا شك مرّت عليك لحظة تساءلت فيها عن كيفية تكوّن الفكرة لدى المبدعين. مثلا، كيف تمكّن ألبرت أينشتاين من الوصول إلى فكـرة النظرية النسبية التي خلّدت اسمه؟ كيف تمكّن موتسارت من التوصل إلى ألحـانه العبقـرية؟ ما الطريقة التي جعلت ستيف جوبز يحوّل شركته إلى مسار التطوير الذي خلق الآيفون؟ من أين جاءت أفكـار لوحات دافنشي الباهـرة؟
يعتقد أغلبنا أن الأفكـار الإبداعية تقتصر على فئة من الناس دون غيرهم، وأن الابتكار محصـور على العباقــرة وذوي معدلات الذكاء المرتفع فقط، وأنهم جميعا يمرّون بلحظة الـ "إيـرويكا" التي تجعلهم يهتفون فجأة: وجدتها، وجدتها! وكأن الأفكار تأتي فجأة لهم حصرا. في الواقع ما يغيب عن أذهاننا أن هؤلاء المبدعين والاستثنائيين يستحضرون أفكارهم بأدوات وأساليب من الممكن أن نمرّ بها جميعا، ونحقق من ورائها النتائج نفسها. على مسرح "تيد"، أُلقيت مجموعة من المحاضرات المتفرقة التي تُسلّط الضوء على إجابات لهذا السؤال المحير: من أين تأتي الأفكـار الجيدة؟ وهل يمكن لنا جميعا أن نُنتج هذه الأفكـار بالفعل، أم أنها مقتصـرة على فئة معينة من الناس.
كيف أدّت أفكـار بسيطة إلى اكتشافات علمية مذهلة؟
حينما كان ريتشارد فاينمان -عالم الفيزياء الشهير- فتى يافعا في مدينة كوينز ذهب ليتنزّه رفقة والده وعربته وكُرة، فلاحظ أنه حينما يجر العربة تتجه الكُرة صوب مؤخرة العربة، فسأل والده: "لماذا تتجه الكُرة صوب مؤخرة العربة؟"، فأجابه والده: "إنه القصور الذاتي"، فسأله: "ما القصور الذاتي؟"، فأجابه والده: "إنه الاسم الذي أطلقه العلماء على ظاهرة توجه الكرة صوب مؤخرة العربة". الحقيقة أن هذا السؤال -على بساطته- كان السبب في جعل فاينمان يفهم أن أبسط الأسئلة تدفعك إلى المعرفة، وهذا ما دفعه في النهاية إلى الحصول على جائزة نوبل في الفيزياء.
أحيانا، تبدو الأمور معقدة وغير مفهومة على الإطلاق، كيف استنتج نيوتن قوانين الحركة، على الرغم من أنه كان يعيش منذ قرون طويلة، وأنا وأنت حتى الآن لا نعرف الكيفية التي استنتجها بها؟ كيف توصل أينشتاين إلى معادلاته؟ كيف استطـاع ذلك العالم أو المخترع أو المبدع الوصول إلى اكتشاف أو اختراع أو الكتاب أو الفيلم المذهل الذي وصل إليه؟ من أين جاءته الأفكـار، ومن أين استلهمها؟
في هذه المحاضـرة القصيرة الشهيرة من "تيد"، والتي نالت -على قِصَـرها- عددا هائلا من المشاهدات اقترب من المليوني ونصف مشاهدة يشرح آدم سافاج مثالين لـ "كيف تستطيع الوصول إلى أشياء باهرة بأبسط الإمكـانيات". المثال الأول للعالم اليوناني إراتوستينس الذي استطاع حساب محيط الأرض قبل نحو 200 سنة قبل الميلاد بأدوات شديدة البساطة، ثم يشرح مثالا ثانيا للعالم هيبوليت فيزو الذي استطـاع قياس سـرعة الضوء عام 1849 بأدوات بسيطة للغاية.
قد يبدو أن الإبداع أو الاختراقات المدهشة تتطلب تعقيدات كبرى، ولكن الحقيقة أن البساطة هي المفتاح الأول للوصول إلى اكتشافات مذهلة، سواء كانت تلك البساطة في الأدوات أو المبادئ نفسها. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات