فوضى عارمة و جهلٌ يعم كل مكان، حالهم كحال الأنعام يشربون الماء الآسن، يأكلون الأكل الجشب، انتهاك للحقوق وضع لا يَسُر، فلطف بهم من أحن عليهم من كل أحد، ومن هو أقرب إليهم من حبل الوريد، فأنقذهم أن بعث إليهم برحمته التي وسعت الخافقين، أرسل إليهم ممثله و وزيره الأقرب الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار ناصحاً ومعلماً وهادياً رؤوف رحيم بهم.
وما أعظمه وما أرأفه وما ألطفه من مبعوث ساد الخلق بصفاته وخصاله التي لا يبلغ مدحتها الواصفون. هذا هو رسول الرحمة، منقذ الأمة من الجهالة و الضلالة التي كانت تسودهم كما بينت ذلك سيدة نساء العالمين في خطبتها حيث قالت:
"كنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القِدَّ والورق، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله)".
جاءت الرحمة الإلهية وازدهرت الانسانية و نعمت البشرية بفيوضات الرحمة، هو أشرف الخلق و أفضلها النعمة الإلهية العظيمة على العباد، ولكي ننعم ونحيا حياة مريحة ناجحة لنتبع آثاره، و نضعه نصب أعيننا بأي خطوة نخطوها فهو القدوة الحسنة التي أُمرنا باتباعها "لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".
و من أبرز ما اتّصفت به أخلاق نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه و آله وسلم هو الحلم عن أخطاء الآخرين والعفو عن سيّئاتهم، قال أنس بن مالك: خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنين، فما سبَّني سبَّة قطّ، ولا ضربني ضربة، ولا انتهرني، ولا عبس في وجهي، ولا أمرني بأمر فتوانيت فيه فعاتبني عليه، فإن عاتبني عليه أحد من أهله قال: دعوه، فلو قُدّر شيء كان.
وعن أنس أيضاً قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فأخذ بردائه فجذبه) جذبة شديدة) حتّى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أثّرت به حاشية الرّداء من شدّة جذبته. ثمّ قال: يا محمّد مر لي من مال الله الّذي عندك. فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضحك وأمر له بعطاء.
ومن عظيم عفوه ما تجلّى يوم فتح مكة، فقد عفى عن أهل مكّة يوم الفتح ووقف منهم موقفاً رحيماً بالرغم من كلِّ العذاب والمعاناة والآلام وأنواع الأذى الّذي صبّته قريش عليه وعلى المسلمين قبل الهجرة وبعدها، وبالرغم من مؤامراتها وحروبها وإرهابها فإنّه صلى الله عليه وآله وسلم وقف على باب الكعبة بعد الفتح مخاطباً أهل مكة: "ما ترون أنّي فاعل بكم"؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. قال: "فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وعندما قال أحد أصحابه: اليوم يوم الملحمة اليوم تُسبى الحرمة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: " اليوم يوم المرحمة اليوم تراعى الحرمة.
بهذه النفس الرحيمة، وبهذا الخلق الرفيع والسلوك الحضاري الّذي لم يعرف التاريخ له نظيراً يعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشدّ الناس عداوة له، فأين نحن الآن و هذا الخلق الرفيع.
نعم تبدلت النفوس و ظهر النفاق و ابتعدت الأمة عن نهج نبيها الأعظم – صلى الله عليه و آله الأطهار – الذي أنقذها مما كانت عليه من وضع مزري.
فلم يثبت على نهجه إلا القليل ممن طهرت قلوبهم وخلصت نياتهم "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ".
اضافةتعليق
التعليقات