في ظل الإنفتاح الذي تعرضت اليه الدول العربية... وخصوصا العراق، نشاهد إستيرادات ضخمة لم تشمل الجانب المادي فقط، بل توسعت لتشمل الإستيراد الفكري، والذي على أساسه انتقلت الينا أفكار غربية لاتناسب العادات الصحيحة والفكر الشرقي الموزون الذي نشأت عليه الشخصية الإسلامية.
فقد أدى تطور الموضة، ودخول الصيحات الجديدة الى السوق، الى جذب الشباب بشكل كبير، والإهتمام بثقافة المظهر، وإقتناء اي جديد ينزل في السوق تحت شعار "مواكبة الموضة".
لا نستطيع الإنكار بأن الإهتمام بالمظهر الخارجي، والإعتناء بالهندام والنظافة العامة تعد من ضروريات الشخصية الناجحة، لأن المظهر الجيد يبث طاقة إيجابية كبيرة في النفس، إضافة الى الثقة التي تساهم في بناء الشخصية القوية للإنسان في مواجهة المجتمع.
كما إن المختصين في التمنية البشرية وعلم النفس، يعدون الإهتمام بالمظهر من الضروريات التي تُظهر الشخصية الناجحة بأبهى صورة، فإذا كنت إنسان مهم و ناجح في حياتك العلمية والعملية، ولك مركز إجتماعي مرموق وشخصية جذابة، لا بأس أن تهتم بمظهرك قليلاً كي تفتح للناس بابا للتعرف عليك من هندامك المرتب وملابسك الأنيقة.
ولكن الإهتمام بالمظهر ومواكبة الموضة لا يعني الإلتفات الى الصيحات الغربية التي تنم عن فكر غير صحيح، وإنحطاط خلقي لا يمثل أي صورة من صور الإسلام الجليلة. فحقيقة نحن نعيش في صراع أخلاقي وفكري رهيب، فبعد الغزو الفكري الذي تعرضنا اليه من الغرب نلاحظ التأثيرات الواضحة التي ظهرت على الجيل، من ناحية الأزياء والأفكار وحتى المفاهيم الخاطئة التي زرعت في نفوسهم وأفكارهم نتيجة التطور التكنولوجي الحاصل.
فبات همهم الوحيد هو تقليد المشاهير، فترى أغلب الشباب يرتدون أزياء مطربين (الروك اند رول، والراب)، ويقلدون قصات شعر ممثلين وعارضين الأزياء الأتراك. إبتداءً بالأزياء الخلاعية والغير مستورة، وصولاً الى قصات الشعر الغريبة، والتي أخذت حيزا كبيرا بين الشباب، وزرعت مفاهيم خاطئة بأن من لايواكب هذا النوع من الموضة هو إنسان رجعي ومتخلف.
وللمزيد من الآراء حول الإهتمام بالمظهر، ومواكبة الموضة قامت "بشرى حياة" بأخذ اراء متمثلة بعينات عشوائية مختلفة من الشباب:
فكان رأي الشاب احمد، البالغ من العمر28 سنة: لابأس بمواكبة الموضة والسير مع التطور الحاصل في الأزياء، ولكن بحدود وضوابط معينة، لأن التقليد الأعمى يؤدي بالفرد الى عكس صورة غير جيدة عن شخصية الإنسان، فبرأيي هنالك بعض الألوان الفاقعة لاتليق بالشاب العراقي الذي تربى على عادات عربية أصيلة، إضافة الى بعض الأزياء التي تحمل تصاميم أنثوية لا تمت بالرجل أي صلة، أو حتى التشبه بالرجال من قبل الإناث تعد ظاهرة غير اخلاقية أبدا.
أما رأي الأخ سيف البالغ من العمر 17سنة كان: ان الموضة تدل على تطور المجتمع وان المجتمع المتطور المنفتح هو من يتبع الموضة ويواكبها، فنحن كمجتمع يضم قوميات مختلفة ومتعددة فمن الطبيعي أن تجد كل شيء جديد سواء في الملابس أو الأجهزة الالكترونية. وهذا برأيي حرية شخصية، ليس من حق أي أحد التدخل فيها.
اما رأي السيد منير البالغ من العمر 39 سنة قال: إن مفهوم الموضة هو مفهوم واسع جداً، وغير قابل للتوقف، فهو يتمثل بنزول موديلات جديدة بشكل مستمر، كما إنها لا تقتصر على الجيل الحالي فقط، لأن الأجيال السابقة ايضا واكبت الموضة والتغيرات الحاصلة في انواع الازياء وأشكالها، ولكن هل من الصحيح ان الإنسان يلبس أي شيء جديد ينزل في السوق؟!، ويقلد الاخرين بطريقة عمياء وغير هادفة؟!، مع الأسف هنالك بعض الأفكار الخاطئة تمكنت من عقول شبابنا بحجة التطور، إذ إن هنالك ظواهر غريبة مثل الوشم (التاتو) التي يلجأ إليها الشباب سواء أكانوا أولاداً أو بناتا للرسم على اليد من باب الموضة، كما أن هناك من الأولاد من يصبغ شعره بلون غريب مثل البنفسجي والأصفر وقصات شعر الأولاد الغريبة عنهم فمنهم من يطيل شعره مثل البنات، وهناك البعض الآخر يضعون حلقاً على أنوفهم مثل الهنود أو يضعونه على ذقونهم، فهذه ليست بموضة لأنها غريبة على مجتمعنا، فلماذا نأخذ كل ما هو سلبي من الغرب ولا نأخذ ونستفيد من عقولهم وابتكاراتهم الفكرية.
وكما إن المفهوم الخاطىء للحرية لعب دورا مهماً في موضوع الموضة وإرتداء ما يحلو لنا من الأزياء، فبإختصار نحن نعاني من اختلاط المعاني وتشابك المفهومين المستقلين. (وكما تطرقت قبل هذا في تحقيق "المفهوم الخاطيء للحرية")، بأن هنالك فرق كبير بين الحرية والفوضى، فالفوضى تعني ان تفعل ما تريد وأينما تريد وتحت اي ظروف ودون اي ضوابط او تقييد تمنعك من ذلك، وأما الحرية فهي تطبيق ما شرعه الله في الحياة العملية لضمان وجود مكان لنا في المجتمع يحفظ كرامتنا ويضمن إنسانيتنا وحقوقنا المدنية كالحرية في العيش والعمل والاختيار و...الخ.
ولا ننسى بان اول من شرع الحرية واخرج الناس من الظلم والتعبد هو الرسول محمد (ص) على وفق منهج رباني صحيح. واذا نعود الى السبب الأساسي لانحراف الشباب وضياعهم نلاحظ بأنها الحرية المطلقة التي تعطى دون رقابة او تقييد، والتي تكون خارجة عن مفاهيم عاداتنا الشرقية النبيلة التي وضعت احتراماً للعرف وللدين الاسلامي.
ولكن المشكلة الحقيقة تكمن في مفهوم الحرية نفسه، فعلى الاعلام والمدارس ودور التربية غرس مفهوم الحرية بالنهج الصحيح في نفوس الشباب والبنات منذ الصغر، وتربيتهم على اساس منهج رباني وفق أسس تربوية دينية قيمة. وذلك يتم بالتوجيه الصحيح من قبل الأب والام، والرقابة على القنوات والإنترنيت.
لان الغاية السامية من الحرية هو التحرر من الاستبداد ومغالاة بعض العادات والتقاليد التي تحد من قيمة الانسان لان الحرية تحررك من عبودية الرغبات وإمساك الشهوات لكي تضمن من خلالها احترامك لنفسك اولا، ومن ثم احترامك للآخرين ولدينك ولمجتمعك وبالتالي يعكس ذلك احترام الآخرين لك.
اضافةتعليق
التعليقات