كثيرة هي الأعمال التي ننهمك فيها بشكل يومي، وربما على مدار السنين، فكلٌ منا لديه مشاغل في هذه الحياة, كلٌ منا لديه آمال وطموحات في أمور دينه ودنياه, كلٌ منا يتمنى وقتاً إضافياً ليستثمره فيما ينفع ويعود عليه بالنفع والربح في دينه ودنياه، ولكن الآمال كبيرة والأوقات قصيرة فتمضي أيامنا دون أن نحتسب الأجر أو ندرك ثواب ما نعمل.
وهنا يطرح سؤال: (كيف نحول أعمالنا اليومية المعتادة إلى عبادة؟؟)
ويأتي الجواب بكل بساطه (بإصلاح النية).
والحديث في "النيات" من أدق الأحاديث وأصعبها؛ لارتباطها بخفايا النفوس وتعلقها بأفكار القلوب حيث نرى الكثير من الناس يبذل المال، ويبدي حسن الخلق، ويصلّي ويصوم. ونحن نشاهد تلك الصور الظاهرة للأفعال متساوية في الظاهر عند جميع الممارسين لها، فنحسبها سواء، ولكن لتقييمها في نظر الإسلام وسيلة أخرى، ولوزنها ميزان آخر، وهو النية.
ما هي النية و ما هي أهميتها؟
النية: بمعنى القصد والإرادة والاعتقاد وهي تعبيرٌ عن الموقف الداخليّ وعن التوجّه الذاتيّ والحقيقة الباطنة للإنسان التي هي روح الفعل الحقيقية.
والنيّة هي المنظور الأوّل في العمل الأخلاقي، والقيمة الفعلية له، عن النبيّ صلى الله عليه وآله: (إنّما الأعمال بالنيّات، ولكلّ امرئ ما نوى) والسرّ في تفضيل نيّة المؤمن على عمله هو إنّ النيّة تُمثّل المحتوى الداخلي للفرد وروح العمل العبادي فلولاها لم يكن العمل سوى هيكل خارجي وجسم مرتب من الخارج فارغ من الداخل.
ومن الجدير بالذكر إن العبادات وإن كانت مقصورة على أمور معينة كالصلاة والصيام ونحوهما ولكن بإمكان الإنسان شرعاً أن يحول أعماله ومساعيه الصالحة في مختلف جوانب حياته إلى عبادة إذا أتى بها على وجه يرضي الله سبحانه وتعالى.
أمثلة على تحويل الأعمال اليومية إلى عبادات:
1-النوم:
النوم من الأمور الحياتية التي نفعلها يوميًا وتأخذ منا وقت كبير ربما يصل إلى 9 ساعات في اليوم لدى البعض، ولكن لماذا لا نستغل هذا النوم في جلب الحسنات، فيمكن أن نصلح النية قبل النوم ونقول في أنفسنا أننا نستعين بالنوم لقيام الليل وتأدية صلاة الفجر أو بنية الاستعانة والتقوي على العمل وكسب الرزق أو الدراسة وغيرها.
2- الأكل والشرب:
أيضًا من الأمور التي نفعلها مرات عديدة في اليوم هو تناول الطعام والشراب، حيث أيضًا نستطيع أن نوجه النية لله وأن نستعين بالطعام على أنه أداة تقوية للجسم من أجل عبادة الله عز وجل.
3- قضاء الوقت مع العائلة:
ربما يظن البعض أن قضاء الوقت مع الزوجة والأولاد أو التنزه معهم خارج البيت من الأمور التي لا تجلب حسنات، ولكن إذا أصلحنا النية لله عز وجل وامتثلنا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله) : جلوس المرء عند عياله أحب إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا) فسيصبح هذا العمل عبادة.
4-الزواج والإنجاب:
يمكن أن يتحول الزواج والإنجاب إلى عبادة بقرار في العقل ونية مخلصة لله حيث أنوي إنجاب أطفال عابدين الله وساجدين له، أو أن أنجب من أحسن تربيتهم فيكونوا أفرادا صالحين ومصلحين في المجتمع، فعندئذ كل جهد يبذل في تربية وتعليم الأولاد في ميزان حسناتك لأنك أخلصت النية لله.
5-الدراسة:
هناك من يدرس من أجل أن يقال أنه عالم أو متعلم أو من أجل الوظيفة فقط, إلا إننا نستطيع جعلها عبادة إذا كانت النية امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وآله: (العلم فريضة على كلّ مسلم ومسلمة) ولكي أنفع الناس بما تعلمت وأكون قدوة لغيري بكوني ملتزم ومتفوق فآخذ ثواب كل من يهتدي بسبي, وهكذا إذا صلحت النية فكل جهد وتعب وسهر يسجل في ميزان حسناتك.
6- العمل و كسب الرزق:
يذهب بعضهم إلى العمل ضجرين متململين من وضع العمل وينسى قول الرسول صلى الله عليه وآله: (من أكل من كد يده حلالاً، فتح له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء(, وعنه صلى الله عليه وآله: (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله) فعلى المؤمن أن يقصد وجه الله وثواب الآخرة في كده وسعيه في كسب الرزق وإنفاقه على عياله ويحتسب يومه كله في سبيل الله توجُّهه للعمل صباحًا بنية الرزق الحلال ونفع العباد.
7- زيارة الأقارب:
أنت مطالَب بزيارة أقربائك، تشعر أنه عبء اجتماعي، لا تحب الاختلاط بالناس ولديك عمل ستؤجله لأجل الزيارة، وأحدهم لا يروق لك، فجأة يخطر لك ثواب صلة الرحم في الدنيا قبل الآخرة، وأنك لو زُرتَه لوجدتَ الفضل الكثير كما جاء في حديث قال الإمام الباقر عليه السلام:) صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسر الحساب وتنسئ في الأجل)، فتتيسر كلُّ العثرات بتوجيه النية لما يرضي الله تعالى، وتشعُرُ أن الزيارة لم تعُدْ عِبْئًا، وتغمرك طمأنينة عجيبة وأنت تُدخل السرور على قلب مسلم.
فخلص لدينا أنّ خلاصة كلّ عمل وذروته وثمرته تكمن في إخلاص النيّة لله تعالى فالنية يقين إيماني عملي، لا ترف فكري ولطالما فات الأجر وسيفوت إذا استمر الشخص في الاستهانة باحتساب الأجر واستحضار النية في جميع أعماله مهما صَغُرَت حتى يصير ذلك ملكةً له، وعادة يعتادها، فلا يخرج ولا يدخل، ولا يأكل ولا يشرب، ولا يعطي ولا يمنع، إلا وله نية في ذلك, وهكذا تتحول حياتنا العادية من روتين يومي إلى عبادة نثاب عليها.
اضافةتعليق
التعليقات