مرت أعوام من الجهد والاجتهاد على فتاة تحمل في قلبها هدفا عزيزا، إلا إنها لم ترَ أثرا لسعيها، وها هو عامها الآخر يقارب على الإنتهاء، ها هي عقارب الساعة تدق معلنة إن الوقت سينتهي لتبدأ عام جديد، عام آخر لم تحصد فيه ثمار!.
لكن ذلك الأمل الذي تحمله بداخلها في تحقق ما تصبو إليه كان لها خير معين، وذلك الصوت الخفي الذي يتردد في داخلها "إن كل شيء هو أنتِ فيه هو كل الخير" فتبتسم وتقرر المواصلة والاستمرار .
لكن قلبها اعتصر في تلك اللحظة، فقد تعالت في ذاكرتها تلك الأصوات الخارجية التي كثيرا ما كانت تتردد على مسامعها من الأبعدين ناهيك عن الاقرباء "أن لا شيء يُبشر بخير"، هنا صدر منها نداء خفي كان يردد: "اريد شيء.. نعم! يا رب أريد أي شيء، يؤكد لي صدق صوتي الداخلي لأطمئن"؟.
وبينما كانت منشغلة بإعادة شريط الذكريات وترديد ذلك النداء، قررت قطع ذلك الشريط لتعاود الإصغاء لما يُقال في التلفاز، إذ إنها كانت تحضر جلسة علمية لعالم من العلماء، وإذا به يتكلم عن السعي وعدم التخلي عن الأهداف، فذكر ذلك المثال الذي كان خير رسالة من ربها المتعال، نعم إنها تلك الشجرة التي تَحدث عنها، يبدو إنها تشبه هدفها كثيراً..
حيث كان على تلك الشجرة- كما ذكر ذلك العالم- أن تبقى سنين طوال تحت الأرض، وكان على الفلاح أن يصبر طوال تلك المدة بين سقاية ورعاية وعناية، وهو لا يرى حتى برعم لها ينمو على سطح الأرض، إلا إنه كان يواصل دون كلل ولا ملل لأنه كان يعلم أي نوع من الأشجار هو ينتظر، وأي عظمة بها تلك الشجرة ستظهر، كان يعمل لرؤية شجرته بعد تلك الأعوام تكبر، وتصبح في العالم من أطول الأشجار بل ولعلها أطولها -كما تقول الدراسات- هنا فهمت إنها كانت الرسالة التي تنتظرها، وها قد وصلتها من قصة الشجرة وذلك الفلاح.
فأدركت إن الذي يحمل هدف عظيم، عليه أن لا يستعجل القطاف، بل عليه أن يبني أساس ثابت وراسخ قبل أن يرجو رؤية ثمرة مسعاه، وإن طول الزمان لا يعني بالضرورة إنه ليس بناجح أو في الطريق الخاطئ، طالما هو يسير نحو هدف يجعل في داخله نماء في الأنوار، ولو كانت بخطوات قريبة، وبنتائج غير ظاهرة وضئيلة.
وهنا أيضا نطقت ذاكرتها بكلمة قد ذُكرت في سيرة كانت سمعتها في يوم من الأيام لأحد العلماء امتزجت مع ذلك المثال يقول فيها: "إذا لم تقرر الاستمرار في ما تريد فأعلم إنك لم تبدأ بعد".
وهكذا قضت ليلة رأس سنتها، التي كانت لها بمثابة هدية، ولحظة انتقالية في وعيها، اكتسبت على أثرها اصرار أكثر، وحافز أكبر للمواصلة وعدم الاستسلام لأنها علمت إن عدم رؤية الثمار علامة على إنها في مرحلة التأسيس، وعليها أن تتحلى بالصبر الجميل، الممزوج بالجهد والنفس الطويل، وعندئذ سترى هدفها كتلك الشجرة، قوية الجذور ثابتة ومثمرة بإذن الله تعالى؛ وهكذا شكرت ربها، واستبشرت وعلى محياها البهجة قد ظهرت.
وأنت كذلك أيها القارئ إن كان في هذه القصة شيء يشبه قصتك، فاعلم إن هذه الرسالة أيضا لك.. وهذه الشجرة شجرتك فلا تمل من سقيها حتى تراها مثمرة.
اضافةتعليق
التعليقات