جاء في إحدى فقرات الزيارة الجامعة الكبيرة واصفةً أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بقول: «إن ذُكِرَ الخَيرُ كُنتُم أوَّلَهُ وَأصلَهُ وَفَرعَهُ وَمَعدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنتَهاهُ» (١)، فالسيدة (عليها السلام) مشمولة بهذا الوصف بلا شك.
فعن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء. ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة (عليها السلام)؟ قلت أخبرني يا سيدي قال: فُطمت من الشر، ثم قال: لولا أن أمير المؤمنين (علي السلام) تزوجها ما كان لها كفواً إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه» (٢)؛ فالإمام (عليه السلام) مع إنه ذكر أسماء متعددة للسيدة الزهراء (عليها السلام) إلا إننا نجد إنه ركز على اسم واحد وأشار إلى تفسيره؛ لذا سنورد بعض التأملات حول هذه المفردات وكيف إنها متحققة فيها (عليها السلام):
إنها (عليها السلام) أول الخير وأصله
إن ما يمكن فهمه من هذه الأولوية فهي بالخصوصيتين: خصوص خلقتها النورية، وذلك فيما ذكره أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فضائله، إلى أن قال: «أ تقرون أن ابن عمي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إنّي وأهل بيتي كنا نورًا يسعى بين يدي الله، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف سنة. فلما خُلِقَ آدَمُ وَضَع ذلك النور في صُلبه وأهبطه إلى الأرض» (٣).
وخصوص خلقتهم الترابية، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾، فقد ورد أن معنى البرية " من "بَری" هي من برأ الله الخلق أي خلقهم. والبرية: الخلق" (٤)، ففيما ورد إنه قال أبــان: قلت للحسن البصري: «من خير هذه الأمة بعد علي (عليه السلام)؟ قال: زوجته وابناه. إنَّ خير الناس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير، ضم فيها نفسه (صلّی اللّه عليه وآله) وعليًا وفاطمة والحسن والحسين عليه..» (٥).
إنها (عليها السلام) فرع الخير ومعدنه
هنا يمكن أن نفهم معنى كونها (عليها السلام)" فرع الخير ومعدنه " من قول إمامنا الصّادق (علیه السلام): « الحكمة ضياء المعرفة، وميراث التقوى، وثمرة الصدق، وما أنعم الله على عبد من عباده نعمة أنعمَ وأعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة، قال تعالى عزّ وجلّ ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾, وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لمّا ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى اللّه إلى ملك فأنطق به لسان محمّد (صلّى اللّه عليه وآله) فسمّاها فاطمة، ثمّ قال: إنّي فطمتك بالعلم، ...» (٦)، أي إنها (عليها السلام) فطمت عن الجهل بالعلم الإلهي فهي صاحبة بصيرة وحكمة؛ وهذا فرع من فروع الخير ومعدنه.
إنها (عليها السلام) مأوى الخير
إذ يمكن لنا أن نفهم معنى هذه العبارة مما توصلنا إليه في المطلب الأول، أيْ: أنه يتمظهر من خلالها، وتتجلى مصاديقه بها، لا إنه هو يكسبها ميزة على الخلق، هذا وجه محتمل. الوجه المحتمل الآخر والأقرب -كما يبدو- هو أن (مأواه) بمعنى أن النفوس إن شحت في فعل الخير، فهي تكون بذلك قد طردت الخير وأصبحت مأوى الشر ليكون هو فعلها، أما هي (عليها السلام) ففي كلّ الأحوال من أهل فعل الخير، بل هي (عليها السلام) الخير ذاتًا وفعلًا؛ فهي والخير واحد، فإن لم يُفعل معها الخير فعلته ولو مع أعدائها، فالخير يأوي إليها إن لم يجد له محلًا في نفوس الناس، وهذا المقصد نجده في هذا الجزء قول الإمام (عليه السلام): "أتدري أي شيء تفسير فاطمة (عليها السلام)؟ قلت أخبرني يا سيدي قال: فُطمت من الشر"، يعني هي محض خير.
إنها (عليها السلام) منتهى الخير
هنا من معاني كونها (منتهى الخير) أيْ: "إن دولتهم هي آخر الدول" (7)، فكلّ مرحلة نصب الله تعالى فيها أحد الأئمة المعصومين من ولدها كان هو مشروع تلك الدولة الإلهيّة التي تتجلى بها كلّ مظاهر الخير، وتندثر فيها كلّ مظاهر الشر والكفر، إلا أن جهل المجتمع بذلك هو الذي أخر قيام هذه الدولة، فما من معصوم بعثه تعالى إليهم إلا قتل أو سمم، وهذا ما يمكن فهمه من قول أبو الحسن (عليه السلام): «لم سميت فاطمة فاطمة؟ قلت: فرقا بينه وبين الأسماء قال: إن ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سميت به أن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه; فعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتزوج في الأحياء، وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة، لما أخرج منها وجعل في ولدها، ففطمهم عما طمعوا; فبهذا سميت فاطمة فاطمة لأنها فطمت طمعهم، ومعنى فطمت قطعت» (٨)، أي إن السيدة (عليها السلام) كانت الوعاء الذي أنجب أئمة الهدى الذين لولا وجودهم لفسدت الأرض، وتسيد أهل الباطل والشر؛ فهي وعاء خير قد أثمر خيرًا.
وعندئذ فإن ذُكر الخير كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) أوله وأخره وفرعه وأصله ومعدنه ومنتهاه، وهذا المعنى يشير إليه اسم من اسمائها، ويؤكده وجودها وسيرتها المباركة.








اضافةتعليق
التعليقات