تدلّ الروايات التاريخية على أنّ ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت في مكة المكرمة بعد البعثة النبوية الشريفة بخمس سنوات، وذلك يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الآخرة. وقد جاءت هذه الولادة محاطة بخصوصيات إلهية مميزة، إذ حضرتها أربع من نساء الجنة: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وسارة زوج إبراهيم، وصفية أخت موسى، ليكنّ عونًا للسيدة خديجة عليها السلام ويبشّرنها بمولودتها المباركة. وتذكر المصادر، كما ورد في كتاب كمال الدين للشيخ الصدوق، أنّ الزهراء عليها السلام ما إن وُلدت حتى أشرق منها نور عظيم دخل بيوتات مكة، بل عمّ مشارق الأرض ومغاربها، ثم دخل عشر من الحور العين يحملن أواني من الجنة فيها ماء من الكوثر، فقامت إحداهنّ بغسل المولودة ولفّها بخرقتين بيضاوين أشدّ بياضًا من اللبن وأطيب ريحًا من المسك والعنبر. وتذكر الرواية أنّ فاطمة عليها السلام نطقت عند ولادتها بالشهادتين، وعرّفت بمقام النبي والإمام علي وذريتهما، وسلّمت على نساء الجنة، فتهلّل وجه خديجة عليها السلام فرحًا، وأرضعتها فانفتح لها اللبن، وكانت تنمو نماءً غير مألوف، فتنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر، وفي الشهر كما ينمو الصبي في السنة.
وتكشف هذه الروايات أنّ ولادة السيدة الزهراء عليها السلام لم تكن حدثًا عاديًا في سلسلة الوقائع التاريخية، بل كانت علامة إلهية بارزة تُظهر خصوصيتها النورانية وارتباطها العميق بنور النبوة والإمامة، فهي جزءٌ من ذلك النور الواحد الذي ظهرت منه الأرواح الطاهرة. ومنذ مولدها المبارك كانت علاقتها بأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله علاقة استثنائية، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ النبي كان يقول عنها: «فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، ثمرة فؤادي». كما كان صلى الله عليه وآله يخصّها بلقب مميز هو "أمّ أبيها"، وقد ذكر ذلك الأربلي في كشف الغمة، مبينًا مدى تعظيم النبي لشأنها ورفعه لمكانتها أمام الصحابة.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن دراسة النصوص الروائية المتعلقة بولادة السيدة الزهراء عليها السلام تكشف عن حدث يتجاوز حدود التاريخ والزمان، ليكون إعلانًا ربانيًا عن قدوم شخصية سيكون لها دور محوري في الأمة، فهي أمّ الأئمة الأطهار، وسرّ الامتداد الروحي والإنساني لرسول الله صلى الله عليه وآله، وعنوان النور الذي استمرّت به الرسالة المحمدية في خطها الأصيل.








اضافةتعليق
التعليقات