تشير بيانات علمية حديثة إلى أنّ ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض قد يكون أكبر مما تعكسه التقديرات المعتمدة حاليًا، وذلك نتيجة اختيار نقطة مرجعية متأخرة نسبيًا لقياس الاحترار العالمي.
فقد أطلق فريق من العلماء في المملكة المتحدة مجموعة بيانات جديدة لدرجات الحرارة العالمية تُعرف باسم GloSAT، تمتد سجلاتها إلى عام 1781، أي قبل التاريخ الشائع الاستخدام الذي يبدأ من عام 1850. ويُعد هذا التوسّع الزمني مهمًا، لأن غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي كانت قد ارتفعت بالفعل بنحو 2.5% بين عامي 1750 و1850، ما يعني أن بعض الاحترار المبكر لم يكن محسوبًا في التقديرات السابقة.
تقليديًا، يعتمد العلماء على الفترة بين 1850 و1900 كمرجع لدرجات الحرارة في “ما قبل الصناعة”، ويقيسون الاحترار الحالي مقارنةً بها، حيث يقترب العالم من عتبة 1.5 درجة مئوية. غير أنّ بيانات GloSAT تُظهر أنّ أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر كانت أبرد بشكل ملحوظ، ما يوحي بأن مقدار الاحترار منذ الثورة الصناعية قد يكون أكبر مما كان يُعتقد.
وأوضح كولين موريس، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم المناخ في مركز هادلي التابع لمكتب الأرصاد الجوية البريطاني، أنّ اختيار عام 1850 كنقطة بداية كان بدافع توفر البيانات، لا لأنه يمثل فعليًا بداية التأثير الصناعي على المناخ.
مع ذلك، يحذّر الباحثون من عزو كامل الاحترار بين تلك الفترات المبكرة إلى النشاط البشري وحده. فقد شهد أوائل القرن التاسع عشر ثورانين بركانيين ضخمين تسببا في تبريد عالمي مؤقت نتيجة انتشار الجسيمات في طبقة الستراتوسفير وحجب جزء من أشعة الشمس. ويُرجَّح أن جزءًا من الاحترار اللاحق كان تعافيًا طبيعيًا من هذا التبريد.
وتتوافق نتائج GloSAT مع تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التي أشارت في تقريرها لعام 2021 إلى احتمال حدوث احترار بشري المنشأ بين عامي 1750 و1850 يتراوح بين 0 و0.2 درجة مئوية. وقدّرت دراسة مرافقة، استخدمت البيانات الجديدة ونماذج مناخية، أن نحو 0.09 درجة مئوية من الاحترار خلال تلك الفترة تعود مباشرةً للنشاط البشري.
واعتمد الباحثون في بناء السجل الحراري الجديد على مصادر تاريخية متنوعة، شملت قياسات موازين الحرارة القديمة في أوروبا وأمريكا الشمالية، إضافةً إلى سجلات السفن التجارية وسفن صيد الحيتان في القرن الثامن عشر، التي وثّقت درجات حرارة الهواء فوق المحيطات، لا سيما في الأطلسي والهندي.
ويُقرّ العلماء بأن دقة البيانات تقل كلما عادوا بالزمن إلى الوراء، ما يرفع مستوى عدم اليقين في تقديرات الفترات المبكرة، خاصة مع وجود فجوات واسعة في التغطية الجغرافية.
ورغم أن هذه النتائج قد توحي بأن تحدي تغيّر المناخ أكثر تعقيدًا مما كان متصورًا، يرى خبراء أن ذلك لا يُقوّض أهداف المناخ العالمية. إذ يؤكد زيك هاوسفاذر، الباحث في منظمة “Berkeley Earth”، أن هذه البيانات تعزز فهمنا للاحترار المبكر، دون أن تغيّر الأسس التي بُنيت عليها أهداف اتفاقية باريس، والتي لا تزال تستند إلى مرجعية 1850–1900.
ويخلص العلماء إلى أن هذه النتائج تمثل خطوة إضافية نحو فهم أدق لتاريخ مناخ الأرض، وتساعد على تحسين تقديرات حجم التأثير البشري على الاحترار العالمي عبر القرون.








اضافةتعليق
التعليقات