يُلحظ وبشكل ملفت إن ظاهرة الدخول في ما يسمى رحلة التشافي عبر دورات في التنمية الذاتية من الجروح والصدمات الداخلية والتجارب القاسية التي مرت بها المرأة في فترات الطفولة أو المراهقة أو حتى ما بعد ذلك، يكون هناك شيء من الملازمة والمصاحبة بين التحرر من هذه التجارب المؤلمة والتي تكون -كما يعبرون- كالقيد الذي يسجن المرأة من أن تعيش حياة سعيدة ماديًا ومعنويًا وفي حياتها الشخصية والأسرية والإجتماعية، وبين التحرر من لبس الحجاب ثم التقليل من اللبس المحتشم ثم الاتجاه نحو التحرر الزائد في اللباس؟!
وهنا سنجيب عن هذه الشبهة عبَر إجابتين مستلهمة عمومًا من تجربة شخصية لاحدى المتدربات والمدربات في هذا المجال، ممن يرتدين الحجاب وقد مرت بصراع داخلي لدخولها في هذا العالم، ومن ثم استطاعت أن تخرج من هذه الشبهة، وهي كالأتي:
الجواب الأول: الحجاب تحرر من الأهواء والرغبات النفسية غير المنضبطة
إن الغاية الأصيلة في فكرة رحلة التشافي وتنمية الذات هي دنيوية محض، فالمرأة عادة عندما تدخل هذا العالم هي تدخله لتعيش حياة دنيوية مريحة مرفهة، وهذا يوصلنا إلى أصل المنطلق وختامها في هذه الرحلة هو منحصر في عالم الدنيا، في هذه الرحلة العمل يكون على تفعيل وتقوية الرغبات والأهواء النفسية في المتدربة، وما يسمى بالثقة في النفس وحب الذات وجعلها الأولوية إلى درجة الأنانية، حتى تصبح الأنا هي المتحكمة، هنا المرأة بطبيعتها النفسية ميالة إلى أن تكون جميلة، ميالة أن تَظهر بشكل جميل، وميالة أكثر إلى أن تُظهر جمالها، والحجاب واللباس الشرعي هو خلاف هذا الميل، فهو يطلب منها ستر مفاتنها وإخفاء جمالها.
أما في التشريع السماوي فهو يكشف إن رحلة الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص لبلوغ السعادة الأبدية هي في التحرر من قيد الأهواء بالتمسك بحبل الهدى، قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغى، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى، وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}، فالجدير بالذكر إن الآيات قدمت صنف الطاغي على الخائف من مقام ربه; لأن الذين يطغون ويكون عندهم إيثار الدنيا على الآخرة هم الأكثر، وعندئذ كل إنسانة هي مخيرة، أيَ الرحلتين تعيش، وأي المصيرين تختار؟ والحجاب هو واحدة من الخطوات التي تكشف هي من أي الصنفين.
ومن الإشارات المهمة هنا هو قوله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ ... إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) إذ نسب النهي عن فعل الإبداء للمرأة؛ إذ قالت الآية (لا تبدي) ولم تقل (ولا تظهر) ، إذ إن الإبداء أدق، وفيها دلالة أعمق في تبيان إن الأصل في زينة وجمال ومفاتن المرأة هو الخفاء لا الظهور، فمفردة تبدي في قبال تخفي كما يفهم من قوله تعالى: {وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}، وعندئذ الإشارة هنا إن جمال ومفاتن وزينة المرأة الأصل فيها الخفاء لا الظهور، فهي لا تظهر إلا إذا أبدتها المرأة بالانحراف عن فطرتها في التعفف والتستر بذلك، وجعلت المخفي منها بادي أي ظاهر للعيان.
ومن هنا نعرف قيمة وغاية عظيمة من تشريع فريضة الحجاب فهو من موجبات التكامل الإنساني للمرأة عَبر مجاهدة هذه الأهواء، وتهذيب هذه النفس، وضبط الرغبة في البروز، وعدم إظهار ما لا يجب إظهاره في غير مورده الصحيح والذي أوجد لأجله.
الجواب الثاني: الحجاب تحرير لها من قيد التعلق بآراء الناس وقبولهم ورضاهم
لو رجعنا إلى نفس السؤال حول لماذا تريد المرأة خلع الحجاب؟ سنجد أن هناك حالات شعورية تحتاجها المرأة هي تلبى بترك الحجاب! فهي وسط مجتمع كثُر فيه الابتذال والتزين، لذا ترى إنها بدون الحجاب ستجد قبولاً ورضاً وإطراء من أمثال هؤلاء الناس أكثر - وإن كانت لا تريد أن تُقر بحقيقة إنها بذلك تكون سلعة تشبع رغباتهم لا أكثر- وهذا يكشف عن فراغ عاطفي وخلل في مشاعرها تستمد منه قيمتها، فالمرأة كائن -غالباً - تحكمه العواطف والمشاعر، فإن لم تعمل على ضبط هذه المشاعر ومعرفة المنبع الحقيقي والصحيح الذي تستمد منه ما يشبعها عاطفياً ويحركها مشاعرياً، فهي ستنجر بلا شك وراء تلبية رغبات الآخرين وفعل ما يجعلها مقبولة ومرغوبة بينهم.
بينما التشريع الإلهي للمرأة في لبس الحجاب هو يعمل على تحريرها أولاً من الرغبة في أن تستمد قيمتها ورضاها عن نفسها بقبول ورضا الناس عنها، وحررها من أن تكون شيء من الأشياء التي تُمد لها العيون، والتي ما أن تشبع منها حتى تبحث عن غيرها، فالحجاب هو كالدرع الحصين الذي يحفظها من الناس، ويكسوها عزة وكرامة، والأهم هو قوة تواجه بها نفسها كلما ضعفت أمام تلبية ما يهوى الآخرين، وقوة تواجههم بها فلا يجرؤن في التفكير بالاقتراب منها أو بث سمومهم الفكرية أو السلوكية المنحرفة عليها.








اضافةتعليق
التعليقات