قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ...}(الأنعام: 113)، وقوله: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}(التحريم : 4)، نجد إن الآيات ربطت الإصغاء كمفهوم بالقلب/الفؤاد؛ أي إن هذا المستوى من الاستماع هو من المستويات التي تخترق الكلام المسموع، والأحرف المنطوقة لتعي مدلولاتها، معانيها، مقاصدها، وحتى الرسائل المشاعرية التي يريد إيصالها الناطق، أو يعيشها ولا يتمكن من إظهارها، فتلك الطاقة المشاعرية وكل ما فيها من رسائل مخفية حتمًا ستصل للمصغي.
كما نجد أن أمير الكلام (عليه السلام) يُشير إلى أهمية هذه الثقافة فيحثنا على جعلها عادة، كما في قوله: [عود إذنك حُسن الاستماع، ولا تصغ إلى ما لا يزيد في صلاحك استماعه، فإن ذلك يصدأ القلوب، ويوجب المذام](١)، فالعادة الحسنة إذا لزمناها، ستنعكس على طبيعة حياتنا اليومية بشكل عام؛ فتجعلها حسنة.
فهو (عليه السلام) في مورد الأمر أتى بلفظة (حُسن الاستماع)، لكن في تتمة كلمته لما أتى بمورد النهي عَبر بلفظة (الإصغاء) ولعل في ذلك تأكيد وإشارة لخطورة الآثار المترتبة إذا ما كان الإصغاء لما فيه ما يخالف صلاح قلوبنا، فإن ذلك يعني تثبيت ما يَصغي له في القلب/الفؤاد، وهذا يجعل ضرره أعظم، وصعوبة إزالة أثره أكبر.
كما بَين أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إنه قال: [من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس](٢)، فالقلب يتطبع بما يُملى عليه بالإصغاء، فليس كل ما يسمعه او يستمع اليه هو يستقر به، ويكون الموجه لسلوك صاحبه، لكن في الإصغاء يتحقق ذلك.
لذا فإن القلب الذي يعتاد على استماع الخير-كما أشار لذلك الأمير- سيكون صاحبه ذو صدر منشرح/واسع، ذو حلم وروية وحكمة؛ ففي الإصغاء للمعارف والعلوم النافعة وكلام أصحاب النفوس المطمئنة سيحصل نفاذ الى قلبه بشكل أسهل وتترسخ فيه بشكل أعمق.
وهذا بشكل طبيعي سينعكس أثره في العلاقات فلا تكون ذاته خيرة وحَسنة فقط بل يكون صاغ جيد، أي ممن يُعطي للمقابل مساحته الكاملة ليقول ما يريد، وهو محافظ على قدرته على الإصغاء له بكل ود.
بالنتيجة فإن ثقافة الإصغاء من أهم الوسائل التي وفقها تُبنى العلاقات الخاصة منها والعامة، الاجتماعية والعلمية وبها تتكامل؛ لما يترتب على التحلي بها من انعكاسات إيجابية تضفي للأرواح جمالية حقيقية.
_______
اضافةتعليق
التعليقات