يعد يوم الثامن عشر من ديسمبر يومًا عالميًا للغتنا العربية (لغة الضاد) حيث يحتفي العرب جميعًا بلغة القرآن ولغة الحضارة إذ تعد اللغة العربية أيقونة البيان بين اللغات وساحرة البلغاء والمتكلمين والشعراء والناثرين..
ستأخذكم (بشرى حياة) في سياحة بين ثنايا لغتنا الجميلة متلمسين معرفة سرها في يومها العالمي يوم الضاد...
سبب التسمية
سميت اللغة العربية بـ (لغة الضاد) نظراً لكونها اللغة الوحيدة التي تحتوي على حرف الضاد، بالإضافة إلى أنّ العرب هم أفصح من نطقوا هذا الحرف فمن المعروف أنّ حرف الضاد يعتبر من أصعب الحروف نطقاً عند غير العرب، كما أن بعض المتكلمين بغير العربية يعجزون عن إيجاد صوت بديل له في لغاتهم، وترتيبه هو الحرف الخامس عشر من الحروف الأبجدية.
كما تحتوي لغتنا على ثمانية وعشرين حرفاً، ويعتقد بعض اللغويين أنّ الهمزة حرف من أحرفها لتصبح لغة ذات تسعة وعشرين حرفاً، وتعتبر أيضا من أغزر اللغات من ناحية المادة اللغويّة.
بريق اللغة العربية
بدايتنا كانت مع الأستاذة فرح الفاضلي دكتوراه في اللغة العربية حدثتنا قائلة: تشكل اللغة ركن أساس لأي مجتمع لأنها لغة التواصل بين الفرد وقومه، وهي وسيلة التعبير عن الذات والمشاعر والحاجات، لكونها شخصية الانسان ومرآة انعكاسه، وجزء لا يتجزأ من صورته الخارجية إذ لا يمكن أن ينسجم مع المحيط إلا من خلالها.
وأضافت: لقد اختلفت وتنوعت اللهجات العربية قبل ظهور الإسلام، فقديمًا كانت اللهجة العدنانية، والقحطانية، وغيرها، ومع زيادة القبائل زادت اللهجات عبر العصور، فظهرت اللهجة الحجازية، والنجدية، والبدوية، والشامية، واللبنانية، وغيرها الكثير وهذا يعني أن اللغة العامية لم تظهر فجأة، بل نشأت وليدة حاجة مجتمع واختلاف بيئة عن بيئة في مخارج الحروف وطريقة النطق ثم اتسع الأمر بعد اتساع الرقعة الاسلامية وانفتاحها على العالم نتيجة الفتوحات والغزوات والاحتلالات مما ادى إلى اختلاط أمم مختلفة فتداخلت اللغة العربية مع لغات أخرى.
وتابعت الفاضلي: كما يجد البعض صعوبة في نطق اللغة العربية الفصحى لهذا يلجأ إلى العامية خشية الوقوع في الخطأ لكون الفصحى محكومة بقواعد بخلاف العامية التي لا تحدها حدود أو شروط، ولكننا أمام صراع لديمومة لغتنا الأم على رغم قلة التواصل بها بشكل مباشر، إذ نحن اليوم نعيش خلف لوحات المفاتيح لهواتفنا وحواسيبنا ولا نظهر للآخر، إلا من خلال اللغة التي نتحدث فيها، لذا يجب أن تكون لغتنا سليمة في الكتابة والأسلوب لأن فن التعبير هو من سيترك بصمة الانطباع الأول عنا، لاسيما نحن نعاصر مجتمع حر الرأي وكل فرد أصبحت له مدونته الخاصة على مواقع السوشيال ميديا وغيرها، مثل أماكن العمل إذ نتواصل بشكل كتابي مع الأصدقاء والزملاء، والمقربين، لذا فإننا بحاجة إلى لغة عربية سليمة نستخدمها في أسلوب المخاطبات الرسمية والادارية، ومن دون هذه الملكة لن تكتمل شخصيتنا المهنية.
وأوضحت الفاضلي بما يخص تعشيق المفردات الأعجمية في لغتنا قائلة: إن تعشيق المفردات الأعجمية منذ الأزل ومنه نشأ مصطلح المعرب والدخيل، فمنها ما دخلت في اللغة العربية بعد المرور من عملية التعريب مع تغيير بسيط في الصوت والصورة لجعله معربة، ومنها ما دخلت بدون المرور من عملية التعريب فهي دخلت في اللغة العربية كما هي في لغتها الأصلية من حيث جاءت فتسمى الأولى معربة والثانية دخيلة.
واستعمال هذه المفردات إنما يدل على مرونة اللغة واستيعابها لجميع اللغات ولا نرى في ذلك شيئا يؤثر على قدسية اللغة أو جماليتها ما دمنا نحافظ على سلامة اللغة في خطاباتنا الرسمية.
وللحفاظ على سلامة لغتنا من المفردات الدخيلة على الجهات المعنية تم فتح مراكز مختصة والاشراف على المناهج التربوية والعلمية واعادة التسويق الصحيح للغة العربية كدور القرآن الكريم وغيرها، ومنح الأشخاص المتقنين لها دورا حقيقيا في المجتمع من خلال ايجاد فرص عمل في الاعلام والتدريس والإدارة والتأليف والترجمة، عندها لن تتأثر لغتنا وستستعيد بريقها.
مسك الختام
وكان مسك ختامنا في عالم اللغة العربية مع القاص والكاتب علي حسين عبيد استهل حديثه قائلاً: اللغة العربية تشكل هويتنا الأهم، مثلما هو دور اللغات في الأمم الأخرى، فهي رابط على قدر كبير من الأهمية يربط مكونات أمتنا، لهذا تأتي أهمية اللغة من دورها الأساس في زيادة وتعميق الترابط بين من يتكلمون ويكتبون العربية، أما أهمية وقيمة الضاد، فتأتي من باب التميّز لهذه اللغة، فهذا الحرف ليس موجودا في لغات أخرى، ولهذا يصلح أن يكون اسماً للغة العربية بسبب فرادة وجوده في هذه اللغة.
وعن سؤالنا له لرسالته لأهل الضاد على ضرورة وسلامة اللغة العربية قال: لا أظن أن العرب أو من يتكلمون اللغة العربية هم بحاجة إلى رسالة لكي يحافظوا على لغتهم، فهل يجوز أن نذكّر إنسانا ما بأهمية وحتمية الحفاظ على هويته، ولكن لابد من التحذير لكل من يتحدث ويكتب ويعيش في إطار اللغة العربية، بأن المحافظة عليها لا تختلف عن المحافظة على نفسك وتاريخك ومنجزك الحضاري وإرثك الوطني، فحين يتم المساس باللغة العربية لأي سبب كان، سواءً كان مقصودا أم لا، فإن ذلك يمثل إساءة لكل العناوين المهمة آنفة الذكر، وأن الحفاظ عليها هو حفاظ على النفس والتاريخ والحضارة العربية والإسلامية.
وتابع: كما لا أظن أن العربية لا تُطرب المتكلمين بها، فهي لا تزال لغة الإبداع ولغة العلم، ولهذا عدّها المختصون من اللغات (الحية) لأنها تواكب التطورات الهائلة في العالم، في حين عجزت لغات أخرى على مثل هذه المواكبة، فأصبحت من اللغات (الميتة)، أما لماذا تدخل مفردات أعجمية في التحادث أو الكتابة، ففي رأيي هذا أمر وارد، وأظنه لصالح العربية وليس ضدها، وهو دليل على قوتها ومتانتها وقدرتها على جذب المفردات من اللغات الأخرى إليها، والدليل أن العربية لا تتأثر بما يدخل عليها، وإنما تؤثر فيه.
في رأيي اللغة العربية ليس لغة تواصل فقط، بل هي لغة إبداع وأدب وفنون وعلوم مختلفة، فقد كُتب بالعربية أعظم المؤلّفات على مر التاريخ، منها الأدبية، والعلمية، والفنية، والأدلة على ذلك لا يمكن حصرها، وهذا ما يعترف به الآخرون قبل المتحدثين بهذه اللغة العريقة.
ختم حديثه بأمنية قائلاً: أمنيتي ليست صعبة، وهي موجّهة إلى الشباب وحتى الأطفال قبل غيرهم، وتتلخص بإظهار الحرص تجاه لغتهم، وتقليل الأخطاء اللغوية (قواعد، إملاء، طباعة) إلى أقصى حد ممكن، ويجب أن يشعر الجميع بأن لغته هي شخصيته وهويته وحاضره وماضيه ومستقبله، أتمنى أن ينظر الشباب وجميع العرب بهذا الشعور وبهذه المسؤولية الكبيرة.
اضافةتعليق
التعليقات