في عصر الإمام الهادي (عليه السلام) تنوعت الفتن والفرق والجماعات والأفكار المنحرفة وكل فريق يدعي أنه على طريق الحق وأنه استطاع أن يصل إلى تفسير لم يصل إليه غيره ومن حرص الإمام الهادي (عليه السلام) سعى للتمهيد لغيبة الإمام (صاحب الزمان) فهو المسؤول عن ترتيب التمهيدات اللازمة لولادة الإمام المهدي (عليه السلام) بحيث يطّلع الأعداء عليها وهم يراقبون بدقّة كل تصرّفات الإمام الهادي ونشاط ابنه الحسن العسكري (عليهما السلام).
وتشير النصوص إلى كيفية تدخّل الإمام الهادي (عليه السلام) لاختيار زوجة صالحة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بحيث تقوم بالدور المطلوب منها في إخفاء ولادة ابنها المنتظر(١).
فقد تضمّنت النصوص الواردة جملة من التعليمات الكفيلة بتحقيق غطاء ينسجم مع مهمّة الاختفاء والغيبة من قِبل الإمام المهدي (عليه السلام).
ومن أجل تحقيق عنصر الارتباط بالإمام في مرحلة الغيبة الأولى والتي تُعرف بالصغرى عمل الإمام على ربط شيعته ببعض وكلائه بشكل خاص وجعله حلقة الوصل بعد كسب ثقة شيعته بهذا الوكيل الذي تولّى مهمّة الوكالة للإمام الهادي والعسكري والمهدي (عليهم السلام) معاً؛ وبذلك يكون قد مهّد لسفارة أوّل سفراء الإمام المهدي (عليه السلام) من دون حدوث مضاعفات خاصة؛ لأنّ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) قد اعتادوا على الارتباط بالإمام المعصوم من خلاله.
فمن النصوص المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام) حول قضيّة الإمام المهدي (عليه السلام):
فقد ورد عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) قال: "إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم".(2)
وورد عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف! فقلت: ولم، جعلني الله فداك؟ قال: إنّكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجّة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
فضلا عن الإعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) من قِبل شيعة الإمام (عليه السلام).
وقد حقّق الإمام هذا الاستعداد وأخرجه من عالم القوّة إلى عالم الفعلية بما خطّطه لشيعته من تعويدهم على الاحتجاب عنهم، والارتباط بهم من خلال وكلائه ونوّابه، وتوعيتهم على الوضع المستقبلي؛ لئلاّ يُفاجأوا بما سيطر عليهم من ظروف جديدة لم يألفوها من ذي قبل.
وكان للإمام الهادي (عليه السلام) أسلوب خاص لطرح إمامة ابنه الحسن العسكري (عليه السلام) بما يتناسب مع مهمّته المستقبلية في الحفاظ على حجّة الله ووليّه الذي سيولد في ظرف حرج جدّاً؛ ليتسنّى لأتباعه الانقياد للإمام من بعده والتسليم له فيما سيخبر به من وقوع الولادة وتحقّق الغيبة وتحقّق الارتباط به عبر سفيره الذي تعرّفت عليه الشيعة ووثقت به.
ولهذا تفنّن الإمام الهادي (عليه السلام) في كيفية طرح إمامة الحسن (عليه السلام) وزمن طرح ذلك وكيفيّة الإشهاد عليه.
ومنه يبدو أنّ التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكري (عليه السلام) كان مقصوداً للإمام الهادي (عليه السلام)، فتارة ينفي إمامة غيره وأخرى يكنّيه وثالثة يصفه ببعض الصفات التي قد توهم إرادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف كما ورد عنه أنّ هذا الأمر في الكبير من ولدي.
حيث إنّ الكبير هو (محمد) المكنّى بأبي جعفر غير أنّه قد مات في حياة والده فلم يكن الكبير سوى الحسن (عليه السلام).
وإليك جملة من هذه النصوص التي يمكن تصنيفها بحسب تسلسلها الزمني إلى ما صدر من الإمام الهادي (عليه السلام) قبل وفاة أبي جعفر، وما صدر حين وفاته، وما صدر بعدها، وما صدر منه قُبيل استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام).
ويكفي الاطلاع عليها بتسلسلها التاريخي لنطمئن بتخطيط الإمام الهادي (عليه السلام) من أجل تحصين الجماعة الصالحة من كل إبهام أو تشكيك أو فراغ عقائدي أو انهيار، بعد إيضاح الحق وتبلّجه لأهله الذين عرفوا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة إمّا ظاهر مشهور أو خائف مستور.
فقد عن علي بن عمرو العطار قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) وأبو جعفر ابنه في الاحياء، وأنا أظن أنّه هو فقلت: جُعلت فداك مَن أخصّ من ولدك؟ فقال: لا تخصّوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري.
قال: فكتبت إليه بعد: فيمَن يكون هذا الأمر؟ قال: فكتب إليّ: في الكبير من ولدي.
ولا تعني إشارة الإمام إلى ولده أبي جعفر فهو يعلم أنّه سيمضي في حياته وسيكون الكبير أبا محمد العسكري (عليه السلام) وهو المؤهّل لها دون غيره من إخوته.
كما ورد عن الصقر ابن أبي دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: إنّ الإمام بعدي الحسن، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً (3).
قد لا يسع المقال لذكر مجوعة أكثر من الروايات إلا أن الإمام (صلوات الله عليه) سعى ورسخ وجود الإمام القائم عند ثقاته حتى لا يضلوا من بعده، فالسفير الأول وابنه من أصحاب الإمام الهادي بقيا الواسطة بين صاحب الأمر وشيعته في غيبته الصغرى.
____________________________________
اضافةتعليق
التعليقات